الرئيسية \ اصدارات \ جواب سؤال \ تداعيات الأزمة اليونانية

بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال
تداعيات الأزمة اليونانية

السؤال:

ذكرت الأنباء الجمعة 2015/2/27 أن البرلمان الألماني قد وافق بأغلبية ساحقة على تمديد المساعدات لليونان ‏لأربعة أشهر... فهل يعني ذلك أن الأزمة اليونانية قد انتهت، وأن اليونان ستستمر عضواً في الاتحاد الأوروبي دون عراقيل؟ ثم ‏إنه قد لوحظ أن أمريكا مهتمة بأن تبقى اليونان في الاتحاد الأوروبي وأن تحل مشاكلها فقد صرح أوباما خلال شدة الأزمة في ‏مقابلة مع شبكة سي إن إن في 2015/2/1 معرباً "عن أمله أن تبقى اليونان في منطقة اليورو" وذكر بأن "ذلك يتطلب ‏تسويات من كل الجهات"، وقال "إن السبيل الأفضل لتقليص العجز واستعادة المتانة يكمن في تحقيق النمو". فما الدافع لهذا ‏التدخل المعلن من أمريكا في أزمة اليونان؟ وجزاكم الله خيراً.‏


الجواب:

حتى تتضح الصورة سنستعرض الأمور التالية:‏


‏1- بدأت أزمة اليونان المالية الأخيرة تظهر في نهاية 2009 بعد أن تفجرت الأزمة المالية العالمية في أمريكا رأس الرأسمالية ‏وشملت أوروبا وباقي العالم الذي يخضع للنظام الرأسمالي. وعصفت باليونان في نيسان/أبريل 2010، وعقب ذلك، يوم ‏‏2010/6/23، طلبت الحكومة اليونانية رسميا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا ‏لمساعدة اليونان حتى تتجنب الإفلاس والتخلف عن سداد الديون، وقد ارتفعت معدلات الفائدة على السندات اليونانية كما ‏ارتفع التأمين على هذه السندات ضد التخلف عن السداد، فارتفع كل ذلك إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف المستثمرين من ‏‏"عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها، مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام بالإضافة إلى ضعف النمو في ‏الاقتصاد اليوناني"، فهددت هذه الأزمة وضع اليورو ومنطقته، وبالتالي الاتحاد الأوروبي برمته، وطرحت فكرة خروج اليونان من ‏هذه المنطقة الاقتصادية، إلا أن أوروبا قررت تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشف ‏تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة. هذا مع العلم أن البرنامج الحالي لما يسمى بالإصلاحات كان سينتهي في 28 ‏شباط/فبراير الشهر الجاري. والاتفاق لم يكن حاسما في مضمونه ولكنه أجَّل الانفجار كما قيل.‏


‏2- الحزمة المقدمة لليونان منذ 5 سنوات تقدر بقيمة 240 مليار يورو بينما بلغ الدين اليوناني حاليا 323 مليار يورو مقسما ‏كالآتي: 60% من هذه الديون يعود لمنطقة اليورو، 10 % لصندوق النقد الدولي، 6% للبنك المركزي الأوروبي، 4% ‏للمصارف اليونانية، 1% للمصارف الأجنبية، 1% للبنك المركزي اليوناني، 3% قروض أخرى، 15% سندات خزينة. ‏ومجموعة اليورو تشترط تحقيق فائض في الميزانية يبلغ 3% بعد دفع الفوائد على القروض. واليونان لا تمتلك قدرة على تحقيق ‏ذلك، ولكن وزير المالية اليوناني يقول إن بلاده لم تعد مقيدة في هذا الشرط وفقا للاتفاق الأخير، وألمانيا والمجموعة لم يصدر ‏عنهما أي إيضاح بهذا الشأن. وسياسة التقشف التي فرضت على اليونان في السنوات الأخيرة أدت إلى حالة متواصلة من ‏الركود الاقتصادي خلال السنوات الماضية وارتفاع معدل البطالة إلى 27% وإفلاس نحو ثلث المشاريع الخاصة. فاليونان تعيش ‏منذ 2010 ضمن برنامج التقشف، والإنقاذ المالي الأوروبي لخدمة ديونها قد ذهب منه ما يزيد عن 200 مليار يورو من ‏القروض المقدمة حتى الآن لإنقاذ البنوك وصناديق التحوط الدائنة لليونان وفي مقدمتها البنوك الفرنسية والألمانية. وقد قدم هذه ‏القروض كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي المركزي مقابل التزام اليونان بإجراءات تقشفية. أي أن ‏الاتحاد الأوروبي يسدد لبنوكه التي أقرضت اليونان بفائدة ربوية عالية في الوقت الذي فقد المواطن اليوناني فيه الثقة باقتصاد ‏بلاده، فمثلا تم سحب 18 مليار يورو منذ شهر كانون الأول الماضي، وتم سحب 500 مليون يومي 18 و19 من الشهر ‏الحالي. وكل ذلك يدل على فساد وخطورة ما يطلق عليه خطط الإنقاذ الرأسمالية فهي مغرقة وليست منقذة ومهلكة للبلاد ‏والعباد...‏


‏3- كانت ألمانيا أكثر الدول المتشددة في موضوع أزمة اليونان وترفض إعفاءها من الديون. ولذلك كانت ألمانيا على رأس ‏المفاوضين وتقود المباحثات، حتى إنها وُصفت بأنها مباحثات بين ألمانيا واليونان. ولذلك أوردت الأنباء بأن الاتفاق لم يتم عبر ‏مفاوضات حقيقية بين وزراء 19 دولة في منطقة اليورو واليونان، وإنما تم عبر مفاوضات بين وزير المالية الألماني ونظيره اليوناني ‏وبحضور مسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي. وقد سمح ذلك للتيار المناهض للاتحاد الأوروبي في بريطانيا ‏بتكثيف انتقاداته للتكتل باعتباره نادياً تسيطر عليه ألمانيا وتسعى من خلاله إلى السيطرة على أوروبا. وألمانيا بدأت تشعر أنها ‏قائدة الاتحاد الأوروبي مالياً لأنها أقوى دولة أوروبية اقتصادية، والكل يمد يده لها ويظهر حاجته إليها وإلى مساعدتها. وألمانيا لا ‏تريد أن تتساهل في موضوع أزمة اليونان لأن العدوى ستنتقل إلى البرتغال كمرحلة أولى، وفي مرحلة متأخرة إلى إيرلندا وإيطاليا ‏وإسبانيا وغيرها من دول الاتحاد التي تعاني من مشاكل مشابهة. وهذه الدول تخضع لبرنامج الإنقاذ وتطبق سياسة التقشف التي ‏فرضتها ألمانيا باسم الاتحاد. فإذا تساهلت ألمانيا مع اليونان فإن تلك الدول ستبدأ بالتخلي عن سياسة التقشف التي ترهق ‏كاهل مواطنيها. ولذلك قال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله وهو من أشد المعارضين لفكرة إعفاء اليونان من الديون: "إن ‏اليونان لن تحصل على مساعدات قبل تنفيذ الشروط التي ينص عليها الاتفاق الحالي" وقال: "إن الحكومة التي يقودها ‏الاشتراكيون تشهد أوقاتا عصيبة" (بي بي سي 2015/2/21). وقال المتحدث باسم الحكومة اليونانية باناجيوتيس أجرافيتوس ‏‏"إن اليونان وألمانيا توصلتا إلى اتفاق بشأن تمديد برنامج قروض إنقاذ اليونان لمدة 4 شهور، وقال هناك اتفاق بشأن المؤسسات ‏الشريكة واليونان وألمانيا" (القدس 2015/2/20). وأخيراً وبعد أن تعهدت الحكومة اليونانية الالتزام بالبرنامج دون أي تحفظ ‏أو شروط وافق البرلمان الأوروبي أو بالأحرى البرلمان الألماني في 2015/2/27 على تمديد المهلة مدة أربعة أشهر... وأكد ‏شويبله أن الاتفاق الحالي "لن يشمل دفع مليارات جديدة إلى اليونان ولا يتضمن أي تغييرات في البرنامج الحالي" العرب ‏اللندنية 2015/2/28. وسعى شويبله إلى الطمأنة بأن الأمر لا يتعلق أبدا بـ"منح مليارات جديدة إلى اليونان" أو بتعديل ‏شروط البرنامج الحالي. وحث المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيسي أثينا إلى "احترام التزاماتها إزاء شركائها ‏الأوروبيين وصندوق النقد الدولي". ( 2015/2/27 ‏swissinfo.ch- afp_tickers‏)‏


‏4- وأما موقف فرنسا وهي الدولة الرئيسة في الاتحاد الأوروبي بجانب ألمانيا، فقد وصف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ‏الاتفاق بأنه "تسوية جيدة لكل من اليونان ومقرضيها" (بي بي سي 2015/2/21) وقال وزير مالية فرنسا ميشال سابان "إن ‏أثينا وافقت في نهاية المطاف على البقاء تحت إشراف الجهات الدائنة، لكن سيكون هناك عمل من طبيعة أخرى، سيكون ‏هناك بالتأكيد عمل سياسي مشيرا إلى أن اليونانيين لم يعودوا يريدون مقابلة تقنيين" (وكالة فرانس برس 2015/2/21)، ‏وأضافت الوكالة "في حال وفت اليونان بشروطها فإنها ستحصل على ما يصل إلى 2،7 مليار دولار من الأموال المتبقية من ‏التمويل الأوروبي في إطار صفقة الإنقاذ البالغة 240 مليار يورو. وتحرص اليونان على طي صفحة التقشف ولكن ألمانيا ‏الضامنة للتشدد في الميزانيات في أوروبا اشترطت أن تواصل اليونان تطهير ماليتها وتمضي في الإصلاحات الهيكلية".‏


‏5- وأما موقف أمريكا فكان واضحاً فيه التدخل بصورة علنية في الموضوع، فقد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة ‏مع شبكة سي إن إن في 2015/2/1 تعليقا على الأزمة المالية في اليونان واقفا بجانبها ومنتقدا لموقف الاتحاد الأوروبي منها ‏فقال: "لا يمكن الاستمرار في استنزاف دول تشهد تأزما" وأضاف "في مرحلة معينة لا بد من استراتيجية نمو للتمكن من سداد ‏الديون" وأقر بأن "هناك حاجة ملحة لدى اليونان لإجراء إصلاحات" لكنه قال "إنه من الصعوبة بمكان البدء بهذه التغييرات ‏إذا كان مستوى معيشة الناس قد تراجع بنسبة 25%. على المدى البعيد فإن النظام السياسي والمجتمع لا يمكنها تحمل ‏ذلك".. وأعرب أوباما "عن أمله أن تبقى اليونان في منطقة اليورو" وذكر بأن "ذلك يتطلب تسويات من كل الجهات" وانتقد ‏سياسة التقشف الأوروبية، فقال "حين يتراجع اقتصاد في شكل مستمر ينبغي وجود استراتيجية نمو، وليس فقط بذل جهود ‏لمزيد من استنزاف شعب يعاني أكثر فأكثر". وقال "إن السبيل الأفضل لتقليص العجز واستعادة المتانة يكمن في تحقيق ‏النمو". وجاء كلام الرئيس الأمريكي بعد أيام عدة من فوز حزب سيريزا اليساري في الانتخابات التشريعية اليونانية التي جرت ‏في 2015/1/25 وقبل شهر تقريبا من انتهاء مرحلة الإنقاذ الأوروبية لليونان ليعطي إشارة واضحة لأوروبا من أنه يقف ‏بجانب اليونان وينتقد أوروبا حتى يضغط عليها لتبقي اليونان ضمن الاتحاد الأوروبي ويستغل مساندته لها ضد الاتحاد. فأمريكا ‏تريد أن تبقى اليونان في داخل الاتحاد الأوروبي حتى يبقى هذا الاتحاد يعاني من أزمات وتصدعات ويبقى اتحادا هشا مهددا ‏بالانهيار.‏


‏6- وأما اليونان نفسها والتي وصلت إليها حكومة يسارية بقيادة حزب سيرزا قبل شهر فهي تريد البقاء في الاتحاد الأوروبي. ‏فقد أشاد رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس بالاتفاق قائلا: "إن حكومته أحبطت خطة من قبل القوى المحافظة في ‏اليونان والخارج لإفلاس البلاد في نهاية الشهر" أي موعد انتهاء صفقة الإنقاذ الأوروبية. وأضاف "إن الاتفاق مع قادة الاتحاد ‏الأوروبي على تمديد اليونان لأربعة أشهر سينهي إجراءات التقشف المكروهة في البلاد. إلا أن الحكومة ما تزال تواجه تحديات ‏صعبة" وقال مدعيا "بأن الاتفاق يلغي التقشف". إلا أن هذا الاتفاق جاء مقابل تقديم تنازلات من بينها التزامها بتحديد ما ‏يطلق عليه إصلاحات خلال يومين. وقال "إن حكومته ستركز على التفاوض على إصلاحات جديدة مع المانحين بحلول ‏حزيران/يونيو". (أ ف ب 2015/2/21) وكانت الحكومة اليونانية قد طلبت تمديد تمويل اليونان لمدة 6 أشهر حتى تستطيع ‏تقديم خطط أصلاحات لمدة أربع سنوات". وقالت الحكومة اليونانية إنها تجنبت اقتطاعات كبيرة لمعاشات التقاعد كما تجنبت ‏رفع الضرائب بشكل كبير وأقنعت الدائنين الأوروبيين بالتخلي عن مطالبهم غير الواقعية الخاصة بالميزانية". واعتبر وزير المالية ‏اليوناني الاتفاق خطوة أولى في طريق طويل وأضاف قائلا: "لا أحد يمكنه أن يفرض على اقتصادنا ومجتمعنا إجراءات لا نتفق ‏عليها وهذا الشيء الجديد في الاتفاق. لدينا الآن إطار جديد، ولكننا نحترم ما سبق. الآن تعهدنا بالمشاركة في كتابة هذه ‏الإصلاحات التي سنحاسب عليها". ومن جهته قال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله: "طالما أن البرنامج مع اليونان لم يتفق ‏عليه بنجاح فلن تكون هناك أموال وهذا واضح". (أيرو نيوز 2015/2/21) وذلك قبل أن توافق اليونان على شروط البرنامج ‏ومن ثم توافق ألمانيا على التمديد.‏

‏7- أما الموقف البريطاني، فقد وصف وزير المالية البريطاني جورج أوزبون الموقف الراهن في خلاف اليونان مع شركاء آخرين في ‏منطقة اليورو بأنه "يمثل مخاطرة بالنسبة لاستقرار الاقتصاد البريطاني، وطالب بضرورة أن تتوصل دول اليورو إلى حل مشترك ‏حتى تتمكن من صد أزمة متصاعدة". وقال "في هذا الموقف العصيب تكمن مخاطر أزمة يمكن أن تؤدي إلى أضرار كبيرة ‏للاقتصاد الأوروبي كما أنها تمثل مخاطرة بالنسبة لبريطانيا". (سكاي نيوز 2015/2/20) وبريطانيا تريد أن يبقى الاتحاد ‏الأوروبي قائما ما دامت تستفيد منه ولا يشكل خطرا عليها. وخاصة أن العالم الغربي كله يعاني من أزمة مالية مستفحلة، فانهيار ‏الاتحاد الأوروبي في هذا الوقت يسدد ضربة ربما تكون قاضية للاقتصاد الرأسمالي ككل. وهي أي بريطانيا تريد أن يبقى الاتحاد ‏الأوروبي قائما ينافس أمريكا وتتمكن من استخدامه في صراعها الخفي مع أمريكا ومنع الأخيرة من التفرد في سياسة العالم.‏


‏8- ونستخلص من كل ذلك ما يلي:‏


أ- الاتحاد الأوروبي اتحاد هش، لأنه ليس مبنيا على وحدة القرار السياسي وليس هو كياناً سياسياً واحداً، فلا توجد فيه إدارة ‏مركزية واحدة تديره، وإنما هو عبارة عن مجموعة دول تتفق في مواقع ومواقف وتختلف في أخرى وتتنافس قواها الكبرى فيما بينها ‏على قيادته وعلى فرض إرادتها عليه، خاصة إذا علمنا أنها تقوم على النفعية لتبنيها المبدأ الرأسمالي الذي يجعل النفعية أساسا ‏ومقياسا للأعمال، وأنها دول قومية تسعى لتحقيق السيادة على الغير، لأن هذا المبدأ أقر القومية ولم يعالجها، فلم يستطع أن ‏يدمج الشعوب التي تؤمن به في بوتقة واحدة. فالدول الأوروبية وخاصة الكبرى تتنافس بينها على السيادة على دول الاتحاد؛ ‏فألمانيا تسعى لتحقيق ذلك، وفرنسا تسعى لدور بارز مشارك لألمانيا، وبريطانيا تسعى لاستخدام الاتحاد لمنافسة أمريكا بحيث ‏تستفيد هي من الجهتين.‏


ب- وأمريكا تحاول النفاذ إلى دول الاتحاد والتأثير عليها، وهي تعمل على ضربه، وتعمل على تقويضه وإلا يصبح وحدة ‏سياسية واحدة ذات قوة مؤثرة عالميا، وأن يسقط اليورو، فلا تبقى عملة عالمية تنافس عملتها الدولار. فأمريكا تستغل أزمات ‏الاتحاد ومشاكله وتعيب معالجاته لتحط من قدره ولتبقى هي قائدة العالم الرأسمالي بدون منافس. فاستغلت أزمة اليونان، ‏وتعمل على مغازلة الحكومة اليسارية فيها وجذبها إليها، وهي تدافع عن بقائها في الاتحاد حتى يبقى هشا تنهشه الأزمات، ‏وستعمل على استغلالها وتشجعها لاتخاذ مواقف في وجه الاتحاد الأوروبي ولتكون اليونان عامل ضعف أو تصدع للاتحاد، ‏وهكذا يصبح الاتحاد يواجه خطر السقوط.‏


ج- إن ألمانيا تعمل على المحافظة على الاتحاد وعلى مجموعة اليورو وتقويتهما وقد أصبحت تقريبا صاحبة الكلمة الأولى فيهما، ‏وهي المستفيد الأول فمؤسساتها المالية هي المستفيدة فهي تقرض اليونان والدول الأوروبية الأخرى وتسترد هذه الأموال بأرباح، ‏فتحرك عجلة الاقتصاد لدى مؤسساتها المالية من بنوك وصناديق احتياط وشركات تأمين. وهي تعمل على تعزيز نفوذها فيه. ‏وقد أصبحت توصف حاليا بالدولة الكبرى المتوسطة عالميا. وفرنسا هي المستفيد الثاني على شاكلة ألمانيا وهي تعمل على ‏تعزيز دورها الدولي بالاتحاد. وتبقى بريطانيا التي تراقب الوضع وكأنها ليست عضوا فيه فلا تعمل على تقويته ولا تسعى ‏لإسقاطه، وإنما تعمل على الاستفادة منه وتسخيره.‏


د- وهكذا سيبقى التنافس قائما بين الدول الكبرى في الاتحاد، ويبقى الصراع قائما بين الاتحاد وأمريكا التي تسعى إلى تقويضه ‏وتفتيته إن أمكنها ذلك، وتسعى إلى إسقاط اليورو كعملة عالمية حتى تبقي ورقتها الخضراء التي لا تساوي الحبر الذي طبعت ‏فيه عملة عالمية تنهب بها خيرات العالم وتمول آلتها العسكرية لضمان سيادتها العالمية كدولة أولى تتحكم في العالم.‏


هـ- وهكذا يثبت، مرة بعد مرة، أن الرأسمالية مبدأ باطل، ونظامها الاقتصادي فاسد، ومعالجاتها خطيرة ونتائجها وخيمة، فلا ‏تعالج الأمراض، وإنما تعمل على تسكينها، فتبقى المشاكل قائمة والأمراض مزمنة. فالربا الذي تعتمده أساسا في المعاملات ‏والمداينات ماحقٌ يثقل كاهل المدين. وزيادة على ذلك فإن الدولة المستدينة التي تصدر سندات الخزينة للاستدانة بالربا يجب ‏عليها أن تؤمن على هذه السندات، فتدفع مبالغ طائلة أخرى مقابل التأمين. فتزيد الأعباء على الدولة المستدينة ولا ينقذها ‏ذلك، بل تبقى تعاني من العجز في الميزانية وفي القدرة على سداد الدين ويبقيها تحت تحكم الدائنين! وتُبقي مواطنيها يعيشون ‏في شظف وضنك من العيش جراء إجبارها على تطبيق سياسة التقشف. واليونان التي يجري حولها الحديث هي أبرز مثال على ‏ذلك، فكل المعالجات لأزمتها كما تبين أعلاه هي في أحسن الأحوال مسكنات لفترة ثم لا تلبث أن تنفجر، وهكذا... مع ‏العلم أن اليونان عاشت مدة أربعة قرون في بحبوحة من العيش والاستقرار والأمن والأمان في ظل حكم الإسلام.‏

     
09 من جمادى الأولى 1436
الموافق 2015/02/28م