الرئيسية \ اصدارات \ مقالات \ أدركوا بناتكم قبل فوات الأوان!

بسم الله الرحمن الرحيم

أدركوا بناتكم قبل فوات الأوان!

ينشغل المغرب، أو يُراد له أن ينشغل منذ فترة بموضوع الإجهاض، وقد تداولت الصحف والمواقع الإعلامية تقارير عن عدد حالات الإجهاض السري والتي تقدر بـ 600 عملية يوميًا حسب الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة، وما بين 800 و1000 حالة يوميًا حسب الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، وهذه أرقام لا شك أنها خطيرة ولعلها تفسر جزئيًا عدم ازدياد عدد سكان المغرب خلال العقد الماضي. وكعادتها، قفزت عدد من الجمعيات والجهات المشبوهة، وتبنت الأمر وجعلت منه ذريعة للدعوة إلى رفع كل القيود القانونية عن الإجهاض بدعوى أنه أمر واقع وأنه لا فائدة من دفن رؤوسنا في الرمال وتجاهل الموضوع. وزيادة في التلبيس على الناس ادّعوا أن الإجهاض يهدف إلى مساعدة النساء على التخلص من أجنتهن الناتجة عن الاغتصاب أو زنا المحارم، وأن القيود الحالية تدفع النساء إلى الإجهاض السري الذي يجرى في ظروف طبية مزرية مما يزيد مآسيهن ويجعلهن يتجرعن بالإضافة إلى مرارة النبذ من المجتمع خطورة التعرض للموت (كشف التقرير الثاني للجنة الخبراء الوطنية الخاص بالتدقيق السري لوفيات الأمهات لسنة 2010، أن مضاعفات الإجهاض تتسبب في حوالي 4،2 في المائة من مجموع وفيات الأمهات).


ويجرم القانون المغربي الإجهاض، ويعاقب بالسجن من سنة إلى 5 سنوات كل من قام بهذه العملية من الأطباء وغيرهم، ويشدد العقوبة في حال وفاة الحامل، لتصل إلى السجن من 10 إلى 20 سنة، كما يعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين وأداء غرامة مالية كل امرأة أجهضت نفسها عمدًا، أو حاولت ذلك، أو قبلت أن يجهضها غيرها. بيد أن القانون أباح إجهاض الأم في حال وجود خطر على صحتها، لكن مع ضرورة الحصول على إذن الزوج.


وكعادتها أيضًا، قامت الجهات الإعلامية بالنفخ في حدة الخلاف حول هذا الموضوع وإيجاد انطباع عند الناس أن المجتمع على حافة الانقسام والاقتتال حول قضية الإجهاض بين الحداثيين العلمانيين العصريين من جهة، وبين المتزمتين المتطرفين أعداء التقدم من جهة أخرى، وهُيِّئت الأجواء لكي يأخذ القصر بزمام الأمور ويتدخل بوصفه الحَكَم. وهكذا كان، ففي 16 من شهر آذار/مارس الماضي، استقبل الملك وزير العدل والحريات، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذكر بلاغ للديوان الملكي أن هذه الاستقبالات تندرج في إطار التفاعل والتجاوب الملكي الدائم مع انشغالات المواطنين ومختلف الفعاليات الوطنية، بخصوص القضايا المجتمعية الراهنة، ولا سيما منها إشكالية الإجهاض السري، وذلك في إطار احترام تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتحلي بفضائل الاجتهاد، وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته، وبما يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته. وأضاف البيان أن الملك أعطى توجيهاته لوزيري العدل والأوقاف، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان قصد الانكباب على تدارس هذا الموضوع، الذي صار قضيةً طبيةً بامتياز، وكذا إجراء لقاءات واستشارات موسعة مع جميع الفاعلين المعنيين، وتلقي آرائهم على اختلافها، بالإضافة إلى التنسيق والتعاون مع المجلس العلمي الأعلى بشأن التداول حول مختلف الآراء والتوجهات، ورفع اقتراحات للعاهل المغربي بهذا الشأن داخل أجل أقصاه شهر.


واضحٌ من لهجة البيان أن الأمور تُهيأ لتقنين الإجهاض وإن بشكلٍ مُبطَّنٍ، تمامًا كما فُعل في سنة 2002، حين مُرِّرت مدونة المرأة بمخالفاتها الشرعية تحت ستار التحكيم الملكي، ووقوف الملك في منتصف الطريق بين الطرفين المتصارعين العلماني والإسلامي.


ولو أن الدولة حريصة فعلًا كما تدَّعي على احترام تعاليم الدين الإسلامي في الموضوع، لكان واجبًا عليها أن تعرض الموضوع على الفقهاء فقط، وأن يكون دور الأطباء والمختصين محصورًا في فهم الواقع أو مناط الحكم كما هو معروفٌ في الفقه الإسلامي، أما أن يُشرَك "جميع الفاعلين المعنيين" وأن تُتلقَّى "الآراء على اختلافها" وأن "تُراعى التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته" فهو توجيهٌ واضحٌ للّجنة المكلفة ألا تحصر نفسها في الاجتهاد الشرعي، بل هو إجبارٌ صريحٌ لها على أن تتجاوزه إلى ما سواه من آراء وأهواء البشر.


إن النقاش الدائر حول تقنين الإجهاض ليس اختلافًا حول الموضوع في جوانبه الفقهية أو الطبية، فمسألة الإجهاض ليست جديدةً على المسلمين، فقد أوسعها الفقهاء الأولون والمعاصرون بحثًا يغني السائلين، لكن حقيقة النقاش هي أنه سجالٌ بين تيارين فكريين مختلفي المرجعيات، يتبنى كل واحد منهما نظرة مختلفة للحياة. لذلك وقبل أن نعرض رأينا الفقهي في المسألة نذكر بما يلي:


1. الإجهاض مشكلة من مشاكل المجتمعات في العالم الغربي، دعا إليه فسادُ تلك المجتمعات وكثرة الولادات غير الشرعية الناتجة عن عمليات الزنا التي لا تحصى، وعن عمليات المعاشرة خارج نطاق العلاقة الزوجية حتى بلغت نسبة هذه الولادات 45% من مجموع الولادات حسب إحصاءات تنشرها صحف الغرب، بل و70% في بعض الدول.


2. وهذه الولادات غير الشرعية، وجدت نتيجة انطلاق سُعار الجنس في هذه المجتمعات الغربية لتبنيها عقيدة فصل الدين عن الحياة ولفكرة الحريات ومنها الحرية الشخصية التي تبيح للإنسان أن يتمتع في هذه الحياة بجميع متع الحياة، حتى أصبح الزنا والمعاشرة خارج نطاق الزوجية عاديًا وأمرًا مشروعًا قانونيًا، حتى أصبحت المجتمعات الغربية كقطعان الحيوانات نتيجة هذه الحرية ونتيجة هذا السعار الجنسي.


3. إن كثرة الولادات غير الشرعية، التي جعلت ما يقارب نصف أولاد المجتمعات الغربية أولاد زنا، قد دفعت كثيرًا من دول العالم الغربي إلى إصدار قوانين تبيح للمرأة أن تتخلص من حملها، خاصةً إذا كان من عمليات زنا أو عمليات معاشرةٍ خارج نطاق العلاقة الزوجية، بأن تُسقط حملها، لأن الأم في المجتمعات الغربية هي التي تتكفل بتربية أولادها الذين حملت بهم من عمليات الزنا أو عمليات المعاشرة خارج نطاق العلاقة الزوجية.


4. وقد أخذت الدول الكافرة في العالم الغربي وعلى رأسها أمريكا، تُسوِّق لنا إباحة الإجهاض، من ضمن ما تُسوِّقه لنا من حضارتها، لتشيع الفاحشة بين المسلمين، ولتُهدم الأسرة، ويُقضى على البقية الباقية من القيم والأخلاق الإسلامية في مجتمعات العالم الإسلامي.


أما واقع الإجهاض والحكم الشرعي فيه فهو كالتالي:


• الإجهاض في اللغة هو إسقاط الجنين من الرحم، يقال أَجْهَضَت الناقة: ألقت ولدها قبل تمام، وعرّفه الفقهاء "بأنه إنزال الجنين قبل أن يستكمل مدة الحمل".


• ويكون الإجهاض بعملٍ إرادي من المرأة، بشرب دواءٍ، أو بحمل شيءٍ ثقيلٍ، أو بحركاتٍ عنيفة، أو بطلبها من طبيب بأن يُجري لها عملية إجهاض، كما يكون الإجهاض بفعل تعدٍّ من الغير، كما يكون لا إراديًا.


• والإجهاض إما أن يكون بعد نفخ الروح في الجنين، وإما أن يكون قبل نفخ الروح في الجنين. فإن كان الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين، فإنه لا خلاف بين فقهاء المسلمين جميعًا في أنه حرام، سواء حصل من الأم، أو من الأب، أو من الطبيب، أو من مُتعَدٍّ لأنه تعدٍّ على نفسٍ إنسانيةٍ معصومة الدم، وهو جنايةٌ توجب الدية ومقدارها غُرَّةٌ "عبدٌ أو أمة" وقيمتها عشر دية الإنسان الكامل. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]، وروى البخاري ومسلم من طريق أبي هريرة قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرة: عبدٍ أو أمة... » وأقل ما يكون السقط جنينًا فيه غرة، أن يتبين في خلقه شيء من خلق الآدمي، من إصبع، أو يد، أو رجل، أو ظفر، أو عين. وبذلك يكون إسقاط الجنين الذي نفخت فيه الروح حرامًا عند جميع فقهاء المسلمين دون خلاف.


• أما إن كان إسقاط الجنين قبل أن تُنفخ فيه الروح، فقد اختلف الفقهاء في حكمه، فمنهم من أباح الإسقاط ومنهم من حرَّمه على تفصيل بالنسبة لمراحل تخلق الجنين، والذي يغلب على ظننا أن الإسقاط إن حصل بعد أربعين يومًا أو اثنين وأربعين يومًا من الحمل عند بدء التخلق للجنين، فإنه يكون حرامًا ويأخذ حكم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه من الحرمة ووجوب الدية والتي هي عشر دية الإنسان الكامل وذلك لأنه إذا ما بدأ تخلُّق الحمل وظهرت بعض الأعضاء فيه كاليد أو الرجل أو العين أو الظفر فإنه يتأكد عندها أنه صار جنينًا في طريقه أن يصبح إنسانًا سويًا وينطبق عليه حديث إسقاط الجنين السابق. روى مسلم عن ابن مسعود، قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ...»، وفي رواية «أربعين ليلةِ». فالحديث دل على أن بدء التخلُّق وظهور الأعضاء يكون بعد مرور أربعين أو اثنتين وأربعين ليلة، وبذلك يكون الاعتداء عليه اعتداءً على جنينٍ فيه حياةٌ إنسانيةٌ معصومة الدم ويكون وأدًا له، وقد حرم الله ذلك حيث قال: ﴿وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8-9]، ولذلك يحرُم إسقاط الجنين بعد الأربعين يومًا على الأم وعلى الأب وعلى الطبيب، ومن يَقُمْ منهم بذلك، يَكُنْ مرتكبًا إثمًا، وقائمًا بجنايةٍ، وتلزمه دية الجنين المُسقط وهي عبدٌ أو أمةٌ، أو عشر دية الإنسان الكامل كما ورد في الحديث الصحيح.


• أما إسقاط ما في الرحم قبل مرور أربعين يومًا على الحمل فإنه جائز، ولا شيء فيه، لأنه لم يصبح جنينًا بعد، لأنه لا يزال في مرحلة النطفة ولا ينطبق عليه حديث إسقاط الجنين.


• يباح إسقاط الجنين سواء أكان في دور التخلق أو بعد نفخ الروح فيه إذا قرر الأطباء المهرة أن بقاء الجنين في بطن الأم سيؤدي إلى موت الأم وموت الجنين معها، ففي هذه الحالة يباح إسقاط الجنين وإنقاذ حياة الأم. وإنقاذ الحياة دعا إليه الإسلام وهذا الإسقاط هو من قبيل التداوي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالعلاج والتداوي.


هذا هو الحكم الشرعي في مسألة الإجهاض.


بقيت مسألة، وهي فرية كون الإجهاض المراد تقنينه هو لعلاج الحمل الناتج عن الاغتصاب وزنا المحارم، وهنا نشير إلى أن هذا الأمر فيه مغالطة كبيرة، فالغالبية العظمى لحالات الإجهاض التي نتحدث عنها هي ناتجة عن زنا وقع بالتراضي نتيجة فورة الشهوة أو نتيجة وعود كاذبة بالزواج،... وليس عن اغتصاب ولا زنا محارم. ولو كان الأمر يتعلق بعلاقة جنسية وقعت بالغصب فالأصل أن يتم إبلاغ الأجهزة الأمنية التي تحيل المعتدى عليها إلى المصالح الطبية المختصة لفحصها وإعطائها قرص منع الحمل أو ما يسمى قرص اليوم الموالي، وهكذا يمنع الحمل من أساسه، ولا يكون داعٍ للإجهاض أصلًا.


إن مسألة الإجهاض كمسألة الأمراض الجنسية وغيرها من مشاكل المجتمع الناتجة عن خلل في قواعد اجتماع الرجل بالمرأة، يجب أن تعالج بإرجاع الأمور إلى أصلها، وهي أن يُتقيَّد بالأحكام الشرعية المنظمة لاتصال الرجال بالنساء، والقائمة بالأساس على وجوب الفصل بين الرجال والنساء في الحياة الخاصة، وعلى الستر والتقيد باللباس الشرعي في الحياة العامة، ومنع التبرج وكل مثيرٍ للفتنة، وعلى التشجيع على الزواج والإحصان، وتشديد العقوبة على الزنا وهتك الأعراض.


بهذا وحده تنتفي الحاجة إلى الإجهاض، ويعيش المسلمون آمنين على أعراضهم، يتناسلون ويتكاثرون كما حضهم على ذلك رسولهم، قال صلى الله عليه وسلم: «النِّكَاحُ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَل بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ» [صحيح]، فأيهما خير أيها المسلمون؟ اتباع شرع ربكم، أم أن تظلوا على حالكم اليوم، يقع بعضكم على بعض كالبهائم، ثم تئدون أبناءكم خشية الفقر وخشية الفضيحة!؟

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد عبد الله

     
21 من جمادى الثانية 1436
الموافق 2015/04/10م

التعليقات