الرئيسية \ اصدارات \ نشرات \ رد على مقال حزب التحرير يعالج "السكتة القلبية" للمغرب بالأعشاب والأفكار التراثية

بسم الله الرحمن الرحيم

رد على مقال حزب التحرير يعالج "السكتة القلبية" للمغرب بالأعشاب والأفكار التراثية

... بل بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،

أما بعد:

طالعتنا صحيفة تليكسبريس يوم 18/06/2012 بمقالة لعزيز الدادسي وهو يتهكم بطريقة استعلائية على حزب التحرير.

ويحس القارئ لمقال عزيز الدادسي حنقاً جارفاً على حزب التحرير دون أن يستطيع إدراك سبب هذا الحنق، فموقف الحزب من زيادة أسعار المحروقات ليس عليه غبار، وتوصيف الحالة الاقتصادية العامة للبلد، وهما الموضوع الرئيسي للنشرة، كذلك ليس عليه غبار حسب رأي الكاتب دائماً. لكن ما يعيب الدادسي على الحزب هو الطريقة التي يقترحها لحل المشكل. وهنا كان يمكن أن يناقش الكاتب ما يقترحه الحزب بكل هدوء وروية فإن كان تافهاً كما يقول فما عليه إلا أن يبين موضع التفاهة، ولم لا يطرح الحل الأمثل من وجهة نظره فيظهر حينذاك بوضوح خطأ الحزب. ولكنه للأسف لم يطرح حلاً واكتفى بترديد الأسطوانة المشروخة التي يرددها العلمانيون منذ عقود من أن أحكام الإسلام غير صالحة للتطبيق حالياً نظراً لتغير الأوضاع والظروف.

كما عاب الكاتب على الحزب وعلى مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله غياب تصور واضح لطبيعة أحكام الإسلام بالإضافة إلى افتقاره لنظرية في الاقتصاد وزعم أن كتابيْ "النظام الاقتصادي في الإسلام" و "السياسة الاقتصادية المثلى" للحزب ليسا إلا "تنويعاتٍ على تفاعلات اقتصاد الجزيرة العربية بداية الإسلام والتي كانت تعيش على النمط القبلي الرعوي ولم يكن لها عهدٌ بتعقيدات الاقتصاد التي يعرفها العالم اليوم".

ورداً على هذا نقول:

1- إن القول بأن أحكام الإسلام غير صالحةٍ للتطبيق في وضعنا الحالي مخالفٌ للنصوص الشرعية بالإضافة إلى مخالفته للواقع. أما مخالفته للنصوص، فإن الله تعالى أكَّد في أكثر من موضع شمول الأحكام الشرعية لكل صغيرة وكبيرة، قال تعالى: ((مَا فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)) ، وقال أيضاً: ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) ، قَال ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: اشْتَمَلَ الْقُرْآنُ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ خَبَرِ مَا سَبَقَ، وَعِلْمِ مَا سَيَأْتِي، وَحُكْمِ كُلِّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَمَا النَّاسُ إِلَيْهِ محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم وَمَعَادِهِمْ . ومن بديهيات الدين أن الله عالم الغيب والشهادة لا تخفى عليه خافية، وهو لم يزل عليماً بوضع الإنسانية الآن وما كانت عليه في الدهور السابقة وما ستؤول إليه في الدهور اللاحقة، ولو كانت النصوص خاصةً بفترة محددة، أو غير صالحة للتطبيق في فترة معينة، أو أن تطبيقها يمكن أن يسبب عنتاً، لوُجِد في القرآن أو السنة ما يشير إلى ذلك، ولكن لسوء حظ بني علمان لا يوجد ولا نصٌّ واحدٌ يؤيد ما يذهبون إليه، قال تعالى: ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى)) ، بل على العكس من ذلك جاءت كل النصوص عامةً تفيد وجوب تطبيقها دائماً في كل زمان ومكان، والقاعدة عند الأصوليين أن العام لا يخصص إلا بدليل، فأين الدليل؟

وأما مخالفة هذا القول للواقع فمن ثلاث جهات:

أ- لا ندري كيف يجزم بنو علمان بعدم صلاحية أحكام الشرع إذا كانت هذه الأحكام لم تطبق أصلاً في عصرنا الحاضر، ولو أنها طبقت ففشلت لقلنا صدقوا ولالتمسنا لهم العذر، لكن التكهن بالحكم قبل التطبيق ضرب من التنجيم، والتنجيم ليس حجةً يعتد بها عند العقلاء.

ب- إن الحكم على عدم الصلاحية في نظر بني علمان ليس ناتجاً عن دراسة معمقة لأحكام الشرع وفهم لفلسفتها ودراسة موضوعية محايدة لنتائج تطبيقها عبر العصور، ولكنه للأسف آتٍ من مجرد مخالفة أحكام الشرع لأحكام النظام العلماني الرأسمالي المسيطر على الأرض وعلى عقولهم، فكل ما خالف ما ألفوه وما لُقِّنوه وما تربوا عليه هو غير صالح، ليس لعجزه عن حل المشاكل (وهو المقياس الصحيح) ولكن فقط لأنه مخالف. والنتيجة إذن أن يحكم بعدم صلاحية أحكام الإسلام لمخالفتها، ليس لنظام مثالي رائع، ولكن لأحكام النظام العلماني الرأسمالي الفاسد أصلاً الذي تكتوي البشرية بلظاه والذي ما انفك ينتج الأزمات تلو الأزمات.

ج- قديماً قيل "الإنسان عدو ما يجهل"، ولو أن الناس درسوا أحكام الشرع واطلعوا على كيفية استنباطها وكيفية تنزيلها على الوقائع، لأدركوا عمق المعالجة ونجاعتها، ولأدركوا حينها ما فقد، ليس المسلمون وحسب، بل والبشرية جمعاء حين غاضت أحكام الإسلام وحيل بينها وبين التطبيق. إن صفحات التاريخ تعجُّ بآلاف الأمثلة الناصعة عن عدل الإسلام وسماحته وحسن رعايته واهتمامه بضمان العيش الرغيد لرعيته، حتى أصبحت مثل تلك القصص أقرب إلى الخيال العلمي إذا ما قورنت بأوضاعنا الحالية، ومع ذلك فإن هذا كله لا يعجب الكاتب، بل ويستهزئ به، وهنا لا أملك إلا أن أتساءل: ماذا يعيب الدادسي على أحكام الإسلام؟

• أيعيب عليها أنها تفرض على الدولة إشباع الحاجات الأساسية لكل فردٍ وضمان إشباع الحاجات الكمالية للأفراد وتوفير الأمن والتعليم والتطبيب للرعية، بل وتوفر كل ذلك دون فرض ضرائب دائمية على الرعية لأنها حرام... أهذا شيء يعاب؟

• أيعيب عليها اعتبار الدولة ممثلةً في شخص الحاكم مسئولةً عن كل أفراد المجتمع صغيرهم وكبيرهم، أدناهم وأقصاهم، لا يشبع حتى يشبعون، ولا يهنأ حتى يهنئون... أمثل هذا يعاب؟ أَوَ في ظروفنا هذه التي ذقنا فيها الأمرين من الفقر والجوع والحرمان والتهميش، بينما يتنعم المسئولون والحكام ويعيشون في ترف وبذخ؟

2- وأما افتقار أدبيات حزب التحرير لبيان طبيعة أحكام الشرع وأحكام الاقتصاد، فإن زعمه هذا يجعلني أشك أنه قرأ أصلاً الكتابين الذين أشار إليهما ، فأما الأول وهو "النظام الاقتصادي في الإسلام"، فهو لمن لم يستطع الاطلاع عليه يقع في 318 صفحة، وقد اشتمل على أحكام كل المعاملات الاقتصادية، وفق ما يتبناه حزب التحرير وقد اشتمل على أبواب كثيرة بدءاً من مناقشة نظرة الإسلام إلى الاقتصاد مقارنة بنظرة النظامين الرأسمالي والاشتراكي وبيان خطئهما، مروراً بأنواع الملكية وأحكام الإجارة (ما يقابل قانون العمل حسب المصطلح العصري)، وأحكام الأراضي وأحكام الصناعة وأنواع الشركات ومداخيل الدولة ومصاريفها وأحكام النقد والتجارة الخارجية، كل ذلك بأسلوب مبسط سلس وبناء على فهم النصوص الشرعية من كتاب وسنة وإجماع وبالاستنارة بأقوال الصحابة وفقهاء الأمة المشهود لهم، وأما كتاب "السياسة الاقتصادية المثلى" فقد أخذ على عاتقه البحث عن الطرق العملية التي يمكن أن تنهض بالاقتصاد، وخلص إلى أن الطريق إلى ذلك هي سياسة التصنيع الثقيل وإنشاء مصانع المصانع... فهل هذه الاجتهادات تندرج تحت تصنيف الكاتب "ليست سوى تنويعات على تفاعلات اقتصاد الجزيرة العربية بداية الإسلام والتي كانت تعيش على النمط القبلي الرعوي ولم يكن لها عهد بتعقيدات الاقتصاد التي يعرفها العالم اليوم"، ما لكم كيف تحكمون؟

إن أبعد تهمة يمكن أن تلصق بحزب التحرير هي افتقاده لأدبيات عما يخص كيان دولة الإسلام وكيفية عمله وكيفية تعامله مع ما يمكن أن يواجه من مشاكل. بل إن المطلعين "يعيبون" عليه غزارة إنتاجه وبحثه كل صغيرة وكبيرة، ويعتبرونه يغوص في تفاصيل تفاصيل كيان دولة الإسلام مع أنه لم يقم بعد. وبالفعل فقد أصدر الحزب وشبابه مئات بل آلاف النشرات والكتب والأبحاث التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا بحثتها وقعَّدتها وأصَّلتها مما يشكل ثروةً بل وكنزاً فقهياً لا يقدر بثمن، لا يقدر حقه إلا من يسَّر له الله أن يغوص فيه، قال الشاعر:

أنا البحر في أحشائه الدر كامن === فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟

كم كنا نتمنى أن يهدي إلينا الكاتب عيوبنا فيدلنا على خطأ فيما نتبناه، ثم يناقشنا فيه، فإن تبين لنا صحة ما يقول وخطأ ما نحن فيه، نزلنا عن رأينا وتبنينا رأيه ونكون له من الشاكرين، لكن أن يعيبنا بما ليس فينا، بل ويعيب الإسلام بالنقص والعجز وقد شهد الله من فوق سبع سماوات بتمامه وكماله، فقد جانب الكاتب في ذلك الصواب.

هذا والله أعلى وأعلم بالحق، وهو الهادي له الموفق إليه.

02 شعبان 1433هــ .                   حزب التحرير

22/6/2012.                           المغرب

 

التعليقات

نشرات