بسم الله الرحمن الرحيم
نعم للتغيير... لا لأعمال التغيير
عجيب أمر شعوبنا! الكل يشتركون على اختلاف خلفياتهم الفكرية ومستويات تعليمهم ومستوياتهم الاقتصادية في النقمة على الأوضاع القائمة واستنكارها والتمني لو يستفيقون يوماً ليجدوها قد ذهبت إلى غير رجعة! إن أيّ حديثٍ أو نقاشٍ مع أيّ شخص، وفي أي موضوع، يتحوّل بعد دقائق قليلة إلى سبّ الأوضاع وإبداء النقمة والسخط عليها، وعلى من تسبّبوا فيها وعلى المستفيدين منها.
إلا أن هذا ليس هو موطن العجب، فالأوضاع القائمة فعلاً لا يمكن إلا أن تثير النقمة والسخط، فلا يوجد فيما حولنا ما يمكن أن يجلب الرضا والسعادة: فالاقتصاد منهارٌ، والفساد مستشرٍ، والعلاقات الاجتماعية والأخلاق في تدهورٍ مستمر... لذا فاشتراك الكل، بكل أطيافهم، في استنكار الأوضاع لا يثير العجب، ولكن العجب العجاب هو من عزوفهم عن القيام بأيّ عملٍ لتغيير ما لا يكُفّون عن التذمر منه.
إن الأصل في الإنسان أن يُشَمِّر عن ساعد الجد لتغيير ما لا يرضى عنه، ولولا هذه النزعة في الإنسان لَكُنّا لا نزال نعيش في الكهوف، نستقي من العيون والأنهار، وننام إذا جنّ علينا الليل، ونستسلم للوحوش إذا هاجمتنا... لكن نزعة التغيير والتطوير التي أودعها الله في الإنسان هي التي جعلته يفكر ويبحث ويخطط وينفذ لتغيير وتحسين أوضاعه حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من تقدمٍ ورفاه. وهنا موطن العجب: كأنّ الفطرة البشرية قد تعطّلت! فعلى الرغم من كل ما نلمسه من تذمر الناس ونقمتهم على الأوضاع، فإن نسبةً قليلةً جداً منهم هي التي نجدها تنشغل بالعمل السياسي المفضي إلى التغيير.
إن التغيير كيفما كان نوعه لا يمكن أن يسقط من السماء، أو يأتي دون أن يتسبّب فيه أحد، فهذا مخالفٌ لسنن الكون ونواميس الحياة، والمعجزات قد انقطعت بعد محمد عليه الصلاة والسلام. وكما أن كل حركةٍ تحتاج إلى محرك حتماً، فكذلك كل تغييرٍ يحتاج إلى مغيِّرٍ حتماً، وما دُمنا لا نعمل من أجل إيجاد هذا التغيير، ونضحي في سبيله ولو بجزءٍ بسيطٍ من وقتنا وجهدنا ومالنا، فلن يأتي هذا التغيير ولو انتظرنا قروناً وليس سنوات. قال الشاعر:
تَرجو النَّجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ
إن الأوضاع الحالية على سوءها قد أوجدت جيشاً من المنتفعين والمستفيدين الذين لا يمكن أن يتنازلوا عن امتيازاتهم طواعية، إلا إذا أُجبروا على ذلك، ولا يمكن تصوُّر أنهم سيستيقظون يوماً ليقولوا من تلقاء أنفسهم، وبلسانٍ واحد: "آه، لقد ظلمنا هذه الشعوب لسنين، وقد آن الأوان أن نرفع أيدينا عنهم، ونرد الحقوق إلى أهلها، فهلمّوا ننسحب في هدوء".
إن إيجاد التغيير لا يستوجب فقط بذل الجهد، أيَّ جهد، بل بذل جهدٍ يفوق الجهد الذي يبذله معارضو التغيير، الحريصون على بقاء الأوضاع على حالها. إن المستفيدين من الأوضاع القائمة، والذين سيشكل التغيير نهايةً لنفوذهم ومصالحهم، سينتفضون ضد دعاة التغيير وسيعملون بأقصى طاقتهم لإفشال مشروعهم بشتى الوسائل. فإذا علمنا أن معارضي التغيير، ولكونهم هم الذين يتحكمون في إمكانيات البلاد، يملكون من الإمكانيات أضعاف أضعاف ما يملكه دعاة التغيير، فإن هذا يفرض على دعاة التغيير مضاعفة الجهد، وشحذ الهمم والتزوّد بطول النفس بالإضافة إلى الاستعداد للتضحية وتحمل الشدائد.
هذا هو سبيل التغيير، وما عداه يستحيل أن يثمر، ولو ثمرةً بسيطةً، فكيف إذا كانت الأوضاع تستوجب تغييراً جذرياً!
يقول تعالى: " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد: 11]، نعم، لن يُغَـيِّر الله حال قومٍ يكتفون بسبِّ الأوضاع دون النزول إلى الحلبة لمباشرة أعمال التغيير. لن يغير الله حال قومٍ إذا دُعوا للعمل لتغيير ما لا يرضونه من أوضاع، كانت إجابتهم: "فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" [المائدة: 24].
27/06/2005.