بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا نُعارض الاتصالات مع إسرائيل؟
أثارت الزيارة التي قام بها رجب طيب إردوغان إلى الكيان الإسرائيلي في بداية شهر 5/2005، موجة من الاحتجاجات في الشارعين العربي والإسلامي. وقامت معظم الحركات الإسلامية بإصدار بيانات تستنكر فيه الزيارة معتبرةً إياها مكافأةً مجانيةً لمجرم الحرب شارون. والمثير في الزيارة، أن الزائر هو إردوغان بالضبط، بصفته زعيماً لحزب "إسلامي" هو حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي نجح في الانتخابات التشريعية على أساس برنامج كان الطابع الإسلامي فيه بارزاً وإن على استحياء.
إن استنكار معظم الحركات الإسلامية أو القومية أو اليسارية لهذه الزيارة يطرح تساؤلاً لا يزال الكل يتهرّب من تبعاته، هو: ما هو سبب موقفنا العدائي من إسرائيل؟ وما هو سبب معارضتنا المبدئية الحارة لأي اتصالات مع الإسرائيليين كيفما كان مستواها؟ قد يبدو الجواب بسيطاً، فالكل يعلم أننا نعادي إسرائيل بسبب احتلالها لبلادنا واعتدائها على إخواننا. إلا أنه يفهم من هذا الجواب أن كل من احتلَّ أرضنا واعتدى على إخواننا وأخواتنا يجب أن نقف منه نفس الموقف أي العداء والمقاطعة. فإن كان الأمر كذلك، فإني أتساءل: أليست أميركا محتلة لبلادنا (العراق وأفغانستان) احتلالاً مباشراً؟ أليست أميركا هي من تقيم صُلب إسرائيل وتمدها بالمال والسلاح وكافة أشكال الدعم لتستقوي به علينا، فلماذا لا نقف منها الموقف نفسه؟ لماذا نسمح أن يرتفع علم أميركا في بلادنا ونغضب إذا رأينا علماً إسرائيلياً؟ لماذا نرضى أن تفتح أميركا سفارات وقنصليات في بلادنا ونغضب إذا فُتِحت سفارة أو ما دون ذلك لإسرائيل في بلادنا!؟ إن كانت إسرائيل احتلت فلسطين، فأميركا فعلت الشيء نفسه في العراق وأفغانستان، وإن كانت إسرائيل تنكل بالأسرى فأخبار أبو غريب وباغرام قد ملأت الآفاق، وإن كانت إسرائيل قد استعملت الأسلحة المحرمة ضدنا فهي إنما اقتنتها من خزائن أميركا وها هي أميركا تفعل الشيء نفسه وأخبار اليورانيوم المنضّب أو المخصب الذي استعمل في حربي الخليج الثانية والثالثة لم تعد خافيةً على أحد، إذن ما هذا التناقض العجيب الغريب في المواقف!؟
ما الفرق بين حيفا والموصل؟ وما الفرق بين جنين والرمادي، من قال إن غزة أعلى شأناً من كابول أو قندهار؟ ومن قال أن نابلس أعلى شأناً من تكريت أو الفلوجة... أو من قال إن دماء الفلسطينيين أغلى من دماء أهل العراق أو أفغانستان؟ إن بلاد المسلمين واحدة، وإن دماءهم واحدة، وإن ما يجري في فلسطين هو نفسه ما يجري في العراق وأفغانستان والشيشان ... : احتلال ظالم. لذلك فكما نغضب لفتح سفارة لإسرائيل يجب أن نغضب لفتح سفارة لأميركا، وكما نرفض التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي مع إسرائيل يجب أن نرفض ذلك مع أميركا وأي دولة محتلة لبلادنا.
أقول هذا وبعضُ الحركات الإسلامية ممن تسمي نفسها "معتدلة" قد تم استدعاؤها لبدء سلسلة لقاءات مع ممثلين عن الإدارة الأميركية ومكاتب الدراسات ومنظري السياسة الخارجية في إطار ما أسمته أميركا "سياسة اليد الممدودة". وتُعقد هذه اللقاءات بشكل علني، ولا تُبدي الحركات الإسلامية أيّ حرجٍ في حضور هذه اللقاءات أو الحديث عنها. تصور لو أن إسرائيل هي التي أعلنت هذه السياسة وطلبت من الحركات الإسلامية عقد لقاءات معها، ماذا سيكون الرد؟ وكيف سيستقبل الشارع العربي والإسلامي هذه اللقاءات؟ بدون شك بالرفض والتنديد والمظاهرات (كما حصل في موريتانيا مؤخراً بمناسبة زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي).
إن أميركا والغرب قد نصبوا لنا فخّـاً عندما جعلوا إسرائيل فزّاعةً تمتصُّ كل مشاعر العداء والغضب، بينما يسرحون ويمرحون في بلادنا بأيديهم التي تقطر من دمائنا، ونستقبلهم نحن بالبشر والترحاب أو على الأقل دونما اعتراض، في أكبر دليل على سذاجة سياسية منقطعة النظير.
إن أميركا وبريطانيا وإسرائيل وروسيا وإسبانيا ... هي دولٌ محتلة معتدية، وعلينا التعامل معها بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع إسرائيل أو أكثر، لأنها هي أيضاً محتلة لبلادنا، بالإضافة إلى كونها هي السبب في وجود إسرائيل ابتداءً ثم استمرارها لاحقاً.
إن المواقف المبدئية هي التي تُظهر معادن الرجال المخلصين لقضاياهم، أما التغيُّـر والتلـوُّن والكيل بمكاييل متعددة فهو من شِـيَـم الوصوليين والانتهازيين، ونحن نربأ بمفكرينا وسياسيينا أن يكونوا من هذه الطينة.
2005/06/07