الخبر:
نشر موقع هسبريس بتاريخ 2014/09/06، ملخص تقرير لمنظمة الصحَّة العالميَّة حول "الانتحار والوقاية منه" عرض مؤخراً في جنِيف كشف أن أزيد من 800 ألف شخص ينتحرُون سنويًّا حول العالم، وأنَّ الانتحار أصبح ثانيَ سببٍ للوفاة لدَى الشريحة العمريَّة (15 - 29)، دون احتساب محاولات الانتحار الفاشلة، حيثُ تقول الأرقام إنَّه إزاء كلِّ شخص يلقَى حتفه، ثمَّة عشرونُ شخصًا يحاولونَ الانتحار على غرارهِ.
وفيما يخص المغرب كشف التقرير عن ارتفاعٍ مهول شهدتهُ حالاتُ الانتحَار بالمغرب ما بينَ سنتَيْ 2000 وَ2012، ففِي ظرفِ اثنتَيْ عشرة سنة، تضاعفَ "المنتحرُون" المغاربة؛ بـ97% ليقفزُوا منْ 2.7 إلَى 5.3 حالة انتحار بينَ كلِّ مائة ألف مغربِي.
وكشفَ التقرير أنَّ 1628 مغربيًّا انتحرُوا، خلال 2012، يشكلُ الرجال 87 بالمائة منهم. وتلفتُ منظمة الصحَّة العالميَّة، إلى أنَّ المسنِّين المغاربة منْ أكثر الشرائح العمريَّة إقدامًا على الانتحَار، حتَّى باتَ معدلهم يشارفُ على 14.4 حالات انتحار لكلِّ مائة ألف نسمَة، على أنَّ المسنِّين الرجَال كانُوا أكثر إقبالًا على وضع حدٍّ لحياتهم من النساء المسنَّات، ففيما لمْ يتخطَّ معدَّلُ الانتحارِ 3.7 حالات لكلِّ مائة ألف وسط النساء، بلغَ المعدلُ وسط المسنين الرجَال 30.1 حالة لكلِّ مائة ألف. وتظهرُ الدراسة أنَّ المغاربة يقبلُون أكثر على الانتحار مع تقدمهم في العمر، فبالرغم من تداول مرحلة المراهقة والشباب، كإحدى الفترات الباعثة باضطراباتها النفسيَّة والفيزيلوجيَّة، على التفكير في الانتحار، فإنَّ معدل الانتحار وسط الشريحة العمريَّة ما بينَ 15 وَ29 عامًا، يستقرُّ في حدود 5.9 حالات لكلِّ مائة ألف نسمَة، فيما يصلُ معدل الانتحار لدى الفئة العمريَّة (30 - 49) إلى 6.4 لكلِّ مائة ألف.
التعليق:
إنها لمأساة فعلاً أن يقدم على الانتحار قرابة مليون شخص سنوياً، وأن يقدم 20 ضعفاً لهذا العدد (أي 16 مليون شخص) على محاولة الانتحار، ما الذي دهى البشرية؟ ماذا ألمَّ بها؟ ألهذه الدرجة استبدَّ بها اليأس واسودَّت الدنيا في أعينها حتى عادت لا ترى مخرجاً من أزماتها إلا الخروج من الدنيا برمتها؟
أيحتاج الناس بعد هذا إلى دليل ليستيقنوا أن الرأسمالية، كنظام يسير علاقات الناس، هو نظام فاسد فاشل وأنه لا يقود الناس إلا إلى الضنك والشقاء؟
على أنه وإن كنا يمكن أن نفهم سبب إقدام الكفار عموماً على الانتحار تحت ضغط مشاكل الحياة اليومية بسبب الخواء الروحي وظناً منهم أنهم بانتحارهم سيتخلصون من مشاكلهم، إلا أننا لا نستطيع أن نتقبل أن تنتشر مثل هذه الظاهرة في البلاد الإسلامية. إن من أبجديات الإسلام أن الانتحار حرام وأن عقوبته الخلود في النار، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [صحيح البخاري]، أي أن المنتحر يهرب من مشكل دنيوي مؤقت، إلى النار والعياذ بالله خالداً مخلداً فيها. وإن من أبجديات الإسلام أيضاً أن الله قد يبتلي المسلم في دنياه كأن يضيق عليه في رزقه أو في عافيته أو أن يبتليه في أهله أو أولاده أو ماله إلى غير ذلك، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155] إلا أن المسلم يتقبل كل هذا بصدر رحب، بل ويسعد بابتلاء الله له لأنه يرى فيه فرصة للتكفير عن ذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [صحيح البخاري]. وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، وَيُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَدَعَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» [صحيح ابن حبان، وحسنه الألباني].
فما الذي حصل حتى انتقلت إلينا عدوى الغرب الكافر، فأصبح أبناء الأمة يلجئون إلى الانتحار هرباً من المشاكل؟
لا يحتاج الإنسان إلى كثير خبرة ليدرك السبب: لقد فشل النظام فشلاً ذريعاً في توفير الحاجات الأساسية للناس، فازدادت البطالة والفقر وعجز الناس عن توفير لقمة عيش كريمة لهم ولأسرهم، فولد هذا ضغطاً يومياً متزايداً على الناس، وليت النظام اكتفى بهذا، بل إنه أخذ على عاتقه أيضاً حرْف الناس عن دينهم بإشاعة الميوعة الفكرية والفساد الأخلاقي، وحارب الالتزام الديني واعتبره نوعاً من أنواع التطرف، وهذه بدون شك الوصفة المثالية لارتفاع الانتحار، رفع الضغط من جهة وضرب العقيدة التي تشكل المناعة عند الناس وتزودهم بالقدرة على التحمل من جهة أخرى.
لقد عاش المسلمون قروناً لا يعرفون هذه الظاهرة، ورغم أنهم مروا بأزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، إلا أن تقيدهم بشرع الله سرعان ما كان يعيد وضعهم على السكة فتستقيم أمورهم من جديد، وكانت قوة العقيدة وصفاؤها في أذهانهم تجعلهم يتحملون ما يجدون من مشاق الدنيا بل ويستصغرونها، يحتسبون الأجر عند الله، دون أن يخطر ببال أحدهم مجرد خاطرة أن يضع حداً لحياته على وجه يغضب الله عليه.
أما اليوم، في ظل النظام الرأسمالي الفاسد، الذي أهمل رعاية الناس، وأفسد فكرهم، وجعلهم يعيشون في مجتمع كالغابة يأكل القوي فيها الضعيف بحكم القانون، فمن الطبيعي أن تنتشر هذه الظواهر، وقد رأينا كيف ينتحر أحدهم لأنه لم يعد يقوى على القيام بمسئولياته، وآخر لأنه فقد تجارته، وآخر لأن سراً من أسراره قد افتضح، وآخر لأن حبيبته قد هجرته، ... وكل هذه الأسباب بسيطة لو عولجت بوجهة نظر الإسلام.
إن العلاج الرباني هو البلسم الشافي لكل مشاكل البشرية، كيف لا وهو الصادر عن الحكيم الخبير العليم بأحوال الناس وطبائعهم وما يصلحهم، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]. وإنا لندعو أهل الفكر والعلم والخبرة أن ينكبوا على دراسة هذا الدين وأخذ الحلول منه وطرح ما عداه، ونحن على يقين أنه ما من مشكل واجه البشرية سابقاً أو سيواجهها لاحقاً إلا وقد بيّن الله لنا في كتابه وسنة نبيه العلاج التفصيلي الناجع له. ثم نعلمهم أن الدواء لا قيمة له، وإن كان ناجعاً، إن لم يتناوله المريض، وكذا الحلول الإسلامية، فإن الأصل أن توضع موضع التطبيق حتى يعم خيرها على الجميع، وليس من طريق لذلك إلا بإيجاد النظام الذي يطبقها، وهو نظام الخلافة الذي يطبق أحكام الشرع وحلوله، فيرفع الضنك والشقاء عن الناس ويتنعم ليس فقط المسلمون بخيراته بل البشرية جمعاء.
لقد مضى حزب التحرير في هذه الطريق منذ عقود، وبحث معظم المشاكل التي تعاني منها البشرية ووضع حلولاً لها، بل عرض تصوراً تفصيلياً لشكل الدولة التي سيناط بها تطبيق الأحكام الشرعية، وهذه الدراسات والأبحاث متوفرة على مواقع حزب التحرير على الإنترنت، ومكاتبه الإعلامية وشبابه بكل البلاد الإسلامية، فندعوكم أن تطلعوا على ثقافة الحزب وتتصلوا بشبابه وتجعلوا هذه الثقافة موضع النقاش بوصفها ثقافة إسلامية وحلولا عملية تفصيلية لمشاكل الناس وما أردته فيهم الرأسمالية من ضنك العيش، لعل الله أن يكتب الخير على أيديكم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير محمد بن عبد الله
|