نشرت صحيفة الرأي الكويتية بتاريخ 2015/09/07 على صفحتها الأولى تصريحا للشيخ عمر الحدوشي من المغرب قال فيه أن «تنظيم (داعش) يستقي أدبياته من كتب حزب التحرير الذي تأسس في مطلع الخمسينات في عدد من الدول الإسلامية بهدف إقامة الخلافة الإسلامية»، وقد تناقلت التصريح العديد من الصحف المغربية والدولية، ولأن هذا التصريح لا يثبت رواية ولا يصح دراية فإننا نقول للشيخ الحدوشي، وهو المهتم بالحديث وعلومه، اتق الله وإن كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل، ونرشده لأن يسأل شيخه الشيخ محمد بوخبزة عن حزب التحرير وأفكاره. ونذكره إن أجاب أن كلامه حمل على غير مقصده أن الإجمال في موطن البيان والتفصيل لا يليق بشيخ مثله. ونحيطه علما أنه إن كان تنظيم الدولة هدده بالقتل فإنه نفذ تهديده وأعدم الشاب مصطفى خيال من شباب حزب التحرير في سوريا بتهمة الردة.
إنه لمن المحزن أن يتكلم من يقدمه الناس ويتبعونه لعلمه كلاما لا يلقي له بالا وهو أولى الناس بالتحري والضبط ويكون سلفه في ادعائه، المحللة الأمريكية زينو بران التي افترت كذبا قبل عشر سنوات أن «حزب التحرير ليس منظمة إرهابية، ولكنه فعال في إرفاد الإرهابيين بأحزمة فكرية داعمة» ثم تبعتها وزارة الخارجية الأمريكية مدعية أنّ الحزب «قد يولّد بطريقة غير مباشرة دعما للإرهابيين، لكن لا يوجد هناك دليل على أنّه ارتكب أية أعمال إرهابية». إن إبطال مثل هاته الادعاءات لا يحتاج لكثير بيان فثقافة حزب التحرير المتضمنة في كتبه متيسرة لكل باحث منصف وهي متوفرة على مواقعه الإعلامية، والتواصل بالمكاتب الإعلامية لحزب التحرير سهل ميسور لمن أراد السماع منه لا عنه. ويكفينا ردا أن تنظيم الدولة لم يستدل لأعماله بكتب حزب التحرير ولا بفتاوى أعلام حزب التحرير ومعلوم للقاصي والداني بمن يستدل التنظيم وشرعيوه.
لكن ما يحتاج لبيان وتوضيح هو السياق السياسي لهذه الافتراءات حتى لا يقع المسلمون في مكر أمريكا وأعوانها.
لقد قام حزب التحرير منذ سنة 1953 يعمل في الأمة وبين أبنائها لإنهاضهم من الانحطاط الذي وصلوا إليه ولإخراجهم من ضنك العيش الذي يعيشون فيه ولتحرير بلادهم من سيطرة المستعمر الكافر عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وقد قالها من أول يوم «فَسَبِيْلُ نَهْضَتِنَا هُوَ سَبِيْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ نَسْتَأْنِفَ حَيَاةً إِسْلاَمِيَّةً. ولا سبيل إلى استئنافِ حياةٍ إسلاميَّة إلاَّ بِالدَّوْلَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ».
ومنذ ذلك اليوم سار حزب التحرير في حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة متأسيا في ذلك برسول الله ﷺ دون أن يحيد قيد شعرة عن طريقة رسول الله في جزئياتها وكلياتها. فحمل الدعوة في طريقها الفكري السياسي واتخذها طريقه الوحيد والأوحد فكان الحزب متميزا بفكرته الإسلامية الصافية النقية المتبلورة وبطريقته الشرعية في التغيير.
وبعد نصف قرن من العمل المتواصل انتشر حزب التحرير في القارات الأربع وأوجد لفكرة الخلافة رأيا عاما بين المسلمين وأصبحت مطلبا لهم، والحمد لله أولا وأخيرا فقد آن أوان الخلافة بإذن الله. فتحسست أمريكا زوال هيمنتها وسقوط عرشها فقادت حملة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان لهدم أفكار الإسلام في عقول المسلمين ونفوسهم وأعلنت الحرب على الإسلام والعاملين للإسلام باسم التطرف ومحاربة الإرهاب، فتصدى حزب التحرير والمخلصون في الأمة لهذه الحملة وأصدر الحزب كتيب "الحملة الأمريكية للقضاء على الإسلام" و"مفاهيم خطرة لضرب الإسلام وتركيز الحضارة الغربية" وقاد الصراع الفكري والكفاح السياسي لكشف مخططات أمريكا والغرب وإفشالها. ولما رأت أمريكا أنها فشلت في حربها وأن نقمة المسلمين عليها في ازدياد بسبب تدخلاتها العسكرية في بلاد المسلمين وأن بريق الحضارة الغربية يتهاوى في العقول والنفوس، غيرت وبدلت في أسلوبها وقررت دعم الإسلام المعتدل وإنشاء شبكات إسلامية معتدلة لتصوغ إسلاما جديدا بمقاس أمريكي لا يتعارض مع الحضارة الغربية ينظر للإسلام نظرة روحية كهنوتية وينادي بالدولة المدنية. وبموازاة هذه الأعمال من أمريكا كانت وكالات الاستخبارات ومراكز الدراسات تعد التقارير وتصدر التوصيات لصدِّ مدِّ حزب التحرير فخرجت بفكرة أن حزب التحرير ليس إرهابيا لكن فكره أرضية لإنبات الإرهاب، والحقيقة الساطعة أن حزب التحرير ليس إرهابيا فهو يحرم العمل المسلح لإقامة الخلافة تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام، وفكره ليس أرضية لإنبات الإرهاب وإنما فكره أساس لإعادة ثقة الأمة في إسلامها وأحكامه ولانعتاقها وتحررها من نفوذ المستعمر الكافر.
فالخلافة التي يدعو لها حزب التحرير تقض مضاجع الغرب لأن إقامتها بداية استئناف الحياة الإسلامية وبداية نهاية الحضارة الغربية:
- فحمل الدعوة للخلافة يعني اتخاذ العقيدة الإسلامية أساسا للحياة، وهذا يضادّ حضارة الغرب التي تتخذ عقيدة فصل الدين عن الحياة وجهة نظر في الحياة وأساسا للفكر والسلوك.
- وحمل الدعوة للخلافة يعني نبذ الديمقراطية التي تجعل السلطان والسيادة للشعب، بينما السلطان في دولة الخلافة للأمة والسيادة للشرع.
- وحمل الدعوة للخلافة يعني هدم النظام الاقتصادي الرأسمالي الاستغلالي وتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يسترجع ثروات الأمة من أيدي النهب الغربية.
- وحمل الدعوة للخلافة يعني هدم حدود سايكس وبيكو وتوحيد بلاد المسلمين وإنهاء سيطرة المستعمر الكافر وتحكمه في بلاد المسلمين المقسمة.
هذه النقاط الأربع وحدها كافية ليدرك كل من تدبرها لماذا تُكنّ أمريكا العداء الشديد لحزب التحرير وتحاول أن تشوه فكرته ودعوته.
ولهذا لما قامت ثورات الربيع العربي وكسرت الشعوب الإسلامية حاجز الخوف ورفعت صوتها بالتغيير ومنحت ثقتها للحركات الإسلامية حبّاً في الإسلام وطلباً لتطبيقه والعيش بأحكامه، خشيت أمريكا من أن يتبلور سبيل النهضة الحقيقي عند الشعوب الثائرة فتقوم الدولة الإسلامية الحقيقية التي تزيل عرشها من الوجود، فالتفت أمريكا على هذه الثورات من خلال بعض الحركات الإسلامية التي رضيت بأن تتزيا بزي الإسلام المعتدل الذي حددت مقاسه أمريكا طمعا في أن تنال شيئا من عزة، ناسية أن العزة لله جميعا. لكن ثورة الشام كانت استثناء فقد أعلنت يوم انطلاقها أنها لله وجعلت إقامة الخلافة على منهاج النبوة مطلبا لها، ورغم محاولات أمريكا الالتفاف على الثورة من خلال الائتلاف العلماني وثوار الفنادق بتركيا لكنها فشلت فشلا ذريعا، فحاولت حرف الثوار في الخنادق من خلال المال السياسي الخليجي المشروط بإقامة دولة مدنية ذي مرجعية إسلامية ومحاربة التطرف والغلو، لكن هاته الأعمال لم تؤتِ ثمارها المرجوة وسارت ثورة الشام في مد متصاعد تحتضن فكرة الخلافة ودعاتها شباب حزب التحرير الذين حملوا الدعوة بدون انقطاع من ستينات القرن الماضي في سوريا رغم السجن والاضطهاد. وقد قال حزب التحرير / المغرب في بيان له بتاريخ 2012/12/12 بمناسبة انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا بمراكش أن الغاية من المؤتمر هي إجهاض مشروع الخلافة في سوريا، وكان ذلك قبل ظهور تنظيم الدولة على الساحة السورية وقبل إعلان تنظيم الدولة لخلافته الموهومة.
فالحرب على مشروع الخلافة انطلقت مع انطلاق الثورة في سوريا لكنها تكسرت على وعي أهل الشام، فما كان إلا أن يسرت أمريكا وحلفاؤها لتنظيم الدولة في العراق التمدد في المناطق السنية هناك والسيطرة عليها، فتملك التنظيم السلاح الأمريكي المتطور من الثكنات المهجورة وحصل على المليارات من البنوك وسيطر على آبار النفط. وقبل هذا كانت مطارات العالم تحت أعين الاستخبارات وبفتاوى النفير من المشايخ تنقل الشباب إلى تركيا ليتدفقوا إلى الداخل السوري. فقوي التنظيم بالمال والسلاح والرجال وكل ذلك على عين بصيرة من أمريكا وحلفائها وبرعاية الاستخبارات العالمية، فقام التنظيم بتنصيب أميره البغدادي خليفة للمسلمين وأعلن إقامة الخلافة الإسلامية في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا. وقد أصدر الحزب حينها بيانا يعلن فيه موقفه من خلافة البغدادي وأوضح أن تنظيم الدولة هو تنظيم عسكري لا يرقى لأن يكون دولة بل دولة خلافة فلا أمن ولا أمان ولا بيعة من المسلمين أهل السلطان، وأن الأمر ظاهر للعيان ولا يحتاج الالتفات إليه ولكن ما ينبغي الالتفات إليه أن الغرب سيستغل الخلافة اللغو المعلنة لتشويه صورة الخلافة عند ضعاف النفوس. وكذلك كان فبعد أن قام تنظيم الدولة بعدة أعمال لا يقرها الشرع وتنفر منها الأنفس وحكم بردة بعض الأفراد والفصائل واستعمل السيف في رقابهم وهجّر نصارى العراق وقتل الأسرى وحرق بالنار، حشدت أمريكا حشودها بذريعة محاربة تنظيم الدولة لإجهاض ثورة الشام ولسان حالها ومقالها يقول للعالم انظروا هذه هي الخلافة التي ينادي بها المسلمون. لكن بعد سنة من إعلان الخلافة الوهمية تبين أن لا براميل بشار ولا طائرات أمريكا كسرت الثورة ولا أعمال تنظيم الدولة شوهت الخلافة ولن تشوهها بإذن الله لأن الناس لا يقيسون الخلافة بخلافة البغدادي وإنما يقيسونها بحكم النبوة وبخلافة الرحمة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وخلافة العدل والرخاء لعمر بن عبد العزيز وبأيام العز في خلافة الأمويين والعباسيين والعثمانيين، ولأن مطلب أهل الشام خلافة راشدة على منهاج النبوة وليس أي خلافة وهم قبل هذا وبعده يطالبون بها لأنها فرض كالصلاة والصيام والزكاة، بل عدها الفقهاء تاج الفروض. ولأن بين أهل الشام حزباً عظيما أخذ على عاتقه كشف مخططات أمريكا والعمل على إفشالها.
لهذا كله وغيره تعمل أمريكا جاهدة على تشويه صورة حزب التحرير عند الناس وتعمل على ربطه بأعمال إجرامية صنعتها بيمينها عسى أن ينفضّ الناس عن حزب التحرير في الشام وفي العالم ولتعطي مبرراً للدول لقمع الحزب واعتقال شبابه، ظنا منها أنها بهذا تمنع أو تؤخر عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لكن أنى لها ذلك.
هذا هو السياق السياسي لافتراءات أمريكا وأعوانها على حزب التحرير.
وإننا في حزب التحرير ننبه الأمة وعلماءها ووسائل الإعلام فيها إلى خطورة إشاعة هذه الأكاذيب وننصحهم بأن لا يكونوا أعوانا لأمريكا في محاولاتها لإجهاض نهضة المسلمين بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
ونقول لأمريكا وأعوانها إن أعمال تنظيم الدولة لن تشوه بإذن الله الخلافة في النفوس وإن حزب التحرير بحفظ من الله عصيٌّ على التشويه كذلك، وإن الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة هي وعد الله وبشرى رسول الله قائمة لا محالة.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير خليد جنان - المغرب
|