الخبر:
نشر موقع هسبريس بتاريخ 2015/10/05، خبر إلغاء والي الدار البيضاء الكبرى، أول مهرجان لشراب "الجعة" في المدينة الذي كانت تعتزم شركة "براسري المغرب" تنظيمه طوال 30 يوماً، وذلك بسبب "عدم احترام الجهات المنظمة للضوابط والمساطر القانونية الجاري بها العمل في هذا المجال".
وأفادت ولاية جهة الدار البيضاء الكبرى، في بيان توضيحي، بأن مصالحها قامت بالاتصال بالشركة المعنية، للتوقيف الفوري للحملة الدعائية للمهرجان، وسحب كافة الإعلانات الإشهارية المرتبطة بها، والامتناع عن تنظيم أي مهرجان من هذا النوع".
وقال مصدر مسؤول لهسبريس إن شركة "براسري المغرب" أخبرت سلطات ولاية الدار البيضاء أنه "لم يكن في نيتها تنظيم أي مهرجان للجعة، وأن الإعلانات التي تم تعميمها على بعض الصحف الفرانكفونية، كانت لأهداف دعائية ليس إلا" وفق تعبيره.
وكانت شركة "براسري المغرب"، العاملة في مجال تعبئة وتسويق المشروبات الكحولية في المغرب، قد أعلنت عن برمجتها لمهرجان الجعة "البيرة"، لمدة شهر كامل انطلاقا من الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر، وإلى غاية الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفبر بمدينة الدار البيضاء.
التعليق:
نعم لقد قرأتم جيداً، فسبب المنع هو "عدم احترام الجهات المنظمة للضوابط والمساطر القانونية الجاري العمل بها في هذا المجال". فالمنع إذن لا علاقة له بالحرام أو الحلال، وإنما هو مسألة احترام ضوابط ومساطر، وهذا يعني بالواضح، أن ترخيص مثل هذه المهرجانات ممكن ووارد في المستقبل، ولا يحتاج إلا أن يتم احترام المساطر القانونية المنظمة له.
لقد سرَّ الناس دون شك وسرَّنا أيضاً أن تقوم الدولة بمنع هذا المهرجان الساقط، ولكن سبب المنع يدل مرة أخرى على أن الدولة وحكومتها الملتحية لا علاقة لهما بشرع الإسلام وأحكامه، ولا علاقة لها بالمذهب المالكي الذي لا تنفكُّ تدَّعي أنها تتشبث به، فرغم حرمة الخمر المعلومة من الدين بالضرورة، ورغم الاستنكار الواسع الذي سبَّبه الإعلان عن المهرجان المنافي لعقيدة الناس وقيمهم، إلا أن الدولة لم تجرؤ على القول أنها منعت المهرجان لحرمة الخمر، ولكنها أصرت على جعل المنع مسألةً إداريةً فقط!
إن للدولة في المغرب تاريخاً عريقاً مع الخمر، فقد أشار معهد أورو مونيتور (Euromonitor) في دراسة قام بها سنة 2013 لحساب المجلة البريطانية (The Economist) أن المغرب يعتبر أول منتج ومصدر للخمور في العالم العربي حيث تقدر المساحة المزروعة بالعنب المعد لإنتاجها بما يزيد عن 37 ألف هكتار (وهو أكبر بقليل من مساحة قطاع غزة كاملاً)، ويعمل في هذا القطاع حوالي 20 ألف شخص. وكشفت آخر الإحصائيات أن المغاربة يستهلكون حوالي 130 مليون لتر من الخمور سنوياً، وهو رقم يفوق استهلاكهم من الحليب كما أشار لذلك تقرير صادر عن وكالة رويترز في تشرين الأول/أكتوبر 2013. وحسب أرقام وزارة المالية المغربية لسنة 2015، فإن صناعة الخمور من المفروض أن تدر على الدولة عائدات ضريبية تقدر بـ 1.3 مليار درهم.
ورغم أن القانون المغربي، في المادة 28 من الظهير الملكي الصادر في تموز/يوليو 1967 يمنع بيع أو منح المشروبات الكحولية للمسلمين المغاربة، فالكل يعلم أن ما يستهلكه السياح الأجانب، ليس إلا قطرة في بحر ما يستهلكه أهل البلد من المسلمين.
أما عن تسويق الخمر، فإلى غاية نيسان/أبريل 2003، كانت أكبر شركة مسوقة للبيرة في المغرب مملوكة جزئياً للهولدينغ الملكي، وإلى غاية آب/أغسطس 2012، كانت شبكتا متاجر مرجان وأسيما المملوكتان أيضاً من طرف الهولدينغ الملكي واللتان تمتلكان شبكة واسعة من المتاجر المنتشرة في كل البلاد تقريباً، كانتا تعتبران أكبر مسوق للخمور في المغرب، وحفاظاً على سمعة الملك "أمير المؤمنين!"، فقد بدأت الشركتان مسلسل التخلي عن بيع الخمور بشكل تدريجي من المفترض أن يصل محطته الأخيرة في أواخر السنة الحالية. ورغم توقف هاتين الشبكتين عن بيع الخمور، فإن الخمرة لا تزال في متناول الجميع سواء في المتاجر أو الحانات أو البائعين غير القانونيين الذين يعرفهم الجميع وأولهم الأجهزة الأمنية.
يا أهل المغرب،
هل نحتاج أن نذكركم أن الخمر حرام، وأن الله لعن فيها عشرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ». [سنن الترمذي، قال الألباني: حسن صحيح].
لقد سار على ألسنة الناس منذ القدم، المثل القائل: "أشد مما قاله مالك في الخمر"، ويضرب هذا المثل للدلالة على مبالغة أحدهم في التشدد حيال شيءٍ ما، وقد سار هذا المثل على الألسن لأن الإمام مالك رحمه الله كان له موقف اعتبر "متشدداً" في الخمر بالنسبة لقرنائه من فقهاء المذاهب الأخرى، فقد اشتهر عنه أنه كان لا يجيز تناول الخمر لجوع أو عطش ولو كان الشارب مضطراً، أي مشرفاً على الهلاك، ويقول كما جاء في المختصر: "لا يشرب المضطر الخمر، فإنها لا تزيده إلا عطشاً"، ولم يكن الإمام مالك رحمه الله يجيز الخمر إلا لإساغة الغصة في حال انعدام ما يسيغها به من غيره. روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم (وكلاهما من كبار فقهاء المالكية): "يشرب المضطرُّ الدم ولا يشرب الخمر".
هذا رأي الإمام مالك في الخمر يا من صدعتم رؤوسنا بوجوب التقيد بالمذهب المالكي، وجعلتموه أحد ركائز الهوية الدينية لأهل المغرب، وشدَّدتم النكير على من يخالفه حتى ليخيل لأحدنا أن من خالف مذهب الإمام مالك مرتدٌّ خارجٌ عن الجماعة! يا أهل المغرب،
إنه ليحزننا هذا الحال الذي وصلت إليه بلادنا حيث أصبحنا نعيش التطبيع العلني مع أم الخبائث، ونرى الدعاية لها جهاراً نهاراً، وحيث أصبح يدعى لمهرجانات لها تدوم أسابيع!
إن ما ينتظره المسلمون من الدولة ليس منع المهرجان لدواعٍ إدارية، ولكن إغلاق الشركة المسوقة للخمر نهائياً هي ومثيلاتها، ومنع إنتاج وتوزيع واستهلاك الخمر كلياً، ومعاقبة المخالفين بما ينص عليه شرع ربنا.
لكن ما ينتظره المسلمون من هذه الدولة لن يروه أبداً، لأنها لم تقم أساساً على دين الله، ولا جعلت يوماً غايتها خدمته والذبَّ عنه، وإنما قامت على المذهب الرأسمالي الذي لا يقيم وزناً للحلال والحرام في الأمور التجارية ولا في غيرها من الأمور، ويعتبر أيَّ مطلوبٍ في السوق سلعةً يجوز إنتاجها وتسويقها.
أما القضاء المبرم على الخمر، إنتاجاً وتسويقاً واستهلاكاً، والذي يتشوَّق إليه الناس، فلن يحصل إلا في دولة الخلافة التي تقيم شرع الله حقاً، وتجعل الحفاظ على أحكامه ومحارمه وحدوده، خطاً أحمر تراق الدماء دونه بشكلٍ يمنع الفُسَّاق من مجرد الاقتراب منه فضلاً عن انتهاكه والوقوع فيه.
هذه الدولة، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، هي الدولة التي يحمل لواء العمل لها حزب التحرير منذ نيِّفٍ وستين عاماً، بدون كللٍ ولا مللٍ، ليلاً ونهاراً، وها نحن نرى هذا العمل الجبار وقد أينعت ثماره بحمد الله، وحان قطافها بإذن الله، فالحقوا بالركب قبل أن يسير، وضعوا أيديكم في أيدي حملة الدعوة وشدوا عضدهم تفوزوا بخير الدارين، عزٍّ في الدنيا وحسن ثواب في الآخرة. فهل من ملتحق؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير محمد عبد الله
|