الرئيسية \ اصدارات \ مقالات \ مبادرة الساحل وسياسة المغرب الأفريقية شق من استراتيجية استعمارية كبرى - (الجزء الثاني)

 

ht

بقلم: الأستاذ مناجي محمد

إن الاستراتيجية الأفريقية تشتغل على أربعة مواضيع أساسية هي: السياسة، الأمن، الاقتصاد والتجارة، التربية والشباب، إلى جانب ذلك قضايا الحوار الاستراتيجي ومستجدات الساحة، بمعنى أنها تغطي كل القضايا، ووضعت لها آليات التنفيذ والمتابعة والتقييم عبر عقد اجتماع دوري سنوي تقييما للمنجزات ومتابعة الأهداف المقررة، كما ستلتئم مجموعة عمل تضم ممثلين عن البلدين كلما دعت الحاجة لمتابعة الالتزامات المعلنة وإعداد مواضيع النقاش للاجتماعات القادمة من الحوار الاستراتيجي، كما تم اعتماد قنوات اتصال منتظمة، على رأس هذه القنوات وزراء الخارجية لبحث تسوية القضايا الثنائية الأساسية بما في ذلك الطارئة وكذلك كيفية التنسيق حول هذه القضايا داخل المنظمات الإقليمية والدولية.

هكذا يتضح أن الحُكم بالمغرب منخرط كليا في الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية للقارة الأفريقية، وذلك ما عبر عنه وزير خارجيته ناصر بوريطة بقوله "بتعليمات ملكية طور المغرب مع المملكة المتحدة علاقات استراتيجية قوية في كل المجالات... وتعزيز العلاقات بين المملكة المتحدة والمغرب في كل المجالات لتصبح أول شريك للمغرب في أوروبا"، وجاء في البيان المشترك للجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي "أشادت الحكومة البريطانية بريادة الملك محمد السادس في جعل المغرب فاعلا رئيسيا لتحقيق الاستقرار والسلام والتنمية بمنطقة المتوسط والساحل والصحراء وغرب أفريقيا... وبدور المغرب كرائد في مجال محاربة التطرف والإرهاب (الإسلام)". وعليه فخطاب الحُكم عن السياسة الأفريقية للمغرب يعني سياسة بمثابة شق أصيل في الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية للقارة الأفريقية، وما الحكم في المغرب إلا أداتها الرئيسية في إنجاز مشاريعها وتحقيق أهدافها، وذلك ما عبرت عنه صحيفة "إسبانيول" الإسبانية بالقول "فإن لبريطانيا رؤية أفريقية متكاملة مع المغرب للاستفادة من سوق القارة الأفريقية في مختلف المجالات".

 وتهدف الاستراتيجية البريطانية إلى تحويل المغرب إلى قنطرتها لأفريقيا التي تتحكم في معابرها، وبابها الخلفي لولوج القارة الأفريقية والذي تمسك هي بمفاتيحه ما يجعل لها تأثيرا ونفوذا بالغا على حركة الملاحة والنقل والاتصالات والتجارة والاقتصاد من أوروبا والأمريكيتين إلى أفريقيا عبر المغرب. فاليوم بالمغرب كل مشاريع البنية التحتية الكبرى والمشاريع الاقتصادية المصاحبة المنجزة أو قيد الإنجاز أو المبرمجة كميناء طنجة المتوسطي وتوسعته وميناء الداخلة الأطلسي قيد الإنجاز أو مشروع الطريق السريع تزنيت الداخلة على طول 1055 كلم أو شبكة السكك الحديدية أو تأهيل المطارات...كلها مشاريع لتحقيق أهداف الاستراتيجية البريطانية. عطفا على ذلك الخط البحري الجديد والمباشر بين ميناء بول جنوب إنجلترا وميناء طنجة المتوسطي للتبادل التجاري ونقل البضائع ليكون الجسر الرابط بين بريطانيا وأفريقيا. ثم هناك مشروع الربط القاري الذي طرح مع انطلاقة الحوار الاستراتيجي في عام 2018 لربط صخرة جبل طارق الخاضعة لبريطانيا بطنجة بالمغرب عبر نفق أو جسر بحري. ثم هناك مشاريع مصاحبة كمشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، والقطب المالي بمدينة البيضاء أكبر مدن المغرب ومركز اقتصاده...

فالمغرب في الاستراتيجية البريطانية الاستعمارية للقارة الأفريقية هو معبرها الجيوستراتيجي للتأثير في الاقتصاد والسياسة الدولية، فتحويله إلى قنطرة عبور رئيسية بين أوروبا والأمريكتين وأفريقيا هو لخدمة السياسة الاستعمارية البريطانية واستراتيجيتها للقارة الأفريقية. ولتكريس المغرب كمعبر دولي رئيسي نحو أفريقيا كانت الاتفاقيات والشراكات الثلاثية مع الأطراف الدولية الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى هامش انعقاد قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في كانون الأول/ديسمبر 2022 بواشنطن أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن "الشراكة المندمجة الشاملة بين المغرب وأفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية توجد في صلب أولويات المملكة... وأن المغرب يضع تجاربه وخبراته لفائدة تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين أفريقيا والولايات المتحدة".

وكذلك تم الاتفاق مع الصين، فكانت زيارة القصر التاريخية للصين في أيار/مايو 2016، وانضم الحكم بالمغرب باكرا إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية سنة 2017، ثم كان توقيع اتفاقية "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق" في كانون الثاني/يناير 2022، والتي تمكن المغرب من الولوج إلى التمويلات الصينية المنصوص عليها في مبادرة "الحزام والطريق" بهدف إنجاز المشاريع الكبرى وتأسيس شركات مختلطة وللتأسيس للشراكة الثلاثية بين المغرب والصين وأفريقيا، وذلك الذي أكده وزير الخارجية ناصر بوريطة بقوله "إن الشراكة بين المغرب والصين تستمد قوتها من الانفتاح على أفريقيا"، مشيرا إلى أن الاتفاقية الموقعة تنص صراحة على تعاون ثلاثي الأطراف لفائدة القارة الأفريقية.

ثم كانت هذه الشراكات الثلاثية هي محور الاتفاقيات التي عقدها المغرب مع الاتحاد الأوروبي ودوله كإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وكذلك مع روسيا... فكل هذه الشراكات الثلاثية والاتفاقيات ذات الصلة هي من مقتضيات الاستراتيجية الكبرى لبريطانيا في تحويل المغرب لمعبر جيوستراتيجي عالمي تتحكم هي في أقفاله ومفاتيحه.

التعليقات