بيان صحفي
فرنسا تسفك دماء المسلمين
للحفاظ على نفوذها الاستعماري في مالي
والمغرب برعاية حكومة "الإسلاميين" يقدم لها الدعم
بتاريخ 11/1/2013، أطلقت فرنسا حملتها الصليبية، وصبَّت حمم نيرانها على المسلمين في مالي بحجة منع تقدم المتشددين الإسلاميين للسيطرة على البلاد. وكانت فرنسا قد بدأت منذ شهور حملة تحريض عالمية على الحركات الجهادية بعد أن استطاعت هذه الجماعات فرض سيطرتها على مناطق شاسعة في شمال مالي، ولما لم تجد فرنسا ما تعيبه عليهم، قامت بالتشهير بهم بسبب قيامهم بهدم بعض أضرحة ما يسمى الأولياء، معتبرة ذلك تقويضاً لمآثر تاريخية. نعم، لقد وصل حرص فرنسا على الإنسان والإنسانية درجة التباكي على الأضرحة والقبور... أما حين يقتل النظام السوري عشرات الآلاف منذ شهور، وحين يُجرم النظام في بورما في حق المسلمين قتلاً وحرقاً وتهجيراً، ويسفك كيان يهود دماء المسلمين في فلسطين منذ عشرات السنين، وتقتل أمريكا في العراق وأفغانستان مئات الآلاف دون حسيب ولا رقيب، فإن فرنسا تغضُّ الطرف، أو تعلن أن التدخل العسكري غير وارد، وأن الأولوية للحلول السياسية والمفاوضات، ولكن حين يُهدم ضريحٌ متهالك، هنا فقط تتذكر فرنسا إنسانيتها!
ثم لا تكتفي فرنسا بذلك، بل تعلن بكل صراحةٍ ووقاحةٍ، أنها لا يمكن أن تقبل بتطبيق الشريعة في مالي، وأن أول شروطها للتفاوض مع الحركات الإسلامية هو إعلان هذه الحركات التنازل عن سعيها لتطبيق الشريعة...
وهنا نسأل ويحق لنا أن نسأل: ما شأنك يا فرنسا بنا؟ وما شأنك إن طبقنا الشريعة أو غيرها؟ ومن نصَّبك وصيّاً علينا حتى تُحدِّدي لنا أي نظام نطبقه؟ إن مشكلة فرنسا أنها لا تزال تعيش على أمجاد الماضي الاستعمارية، ولا تستطيع أن تتصور إفريقيا كلها، ومستعمراتها السابقة خصوصاً، إلا دولاً تابعة، تأتمر بأمرها فتحدد لها هي ما يجب أن تفعله وما لا يجوز لها أن تفعله.
لكن ما يحزُّ في النفس، هو أن تكون جيوشنا وأموالنا وأجواؤنا تحت تصرف فرنسا في هذا الهجوم الآثم بإذنٍ ممن نصَّبوا أنفسهم حكاماً علينا، مع علمهم علم اليقين أن شعوبهم ترفضه رفضاً قاطعاً، بل وتغلي الدماء في عروقهم وهم يرون دماء إخوانهم تسفك ظلماً وعدواناً، إلا أن كل هذا لم يمنعهم من الاصطفاف في خندق أعداء الأمة، فالمغرب والجزائر فتحا أجواءهما للطائرات الفرنسية المـُغيرة، ودبي من بُعد آلاف الكيلومترات تعلن عن تمويل الحملة العسكرية، وآخرون يصمتون صمت ساكني القبور، وآخرون يصمتون صمت الرضا، الرضا بأن يُسلموا إخوانهم لأعدائهم، كما فعلوا ذلك من قبل مع إخوانهم في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وميانمار وكشمير واللائحة طويلة...، ولسان حالهم يقول: أسرعي يا فرنسا، وأنهي مهمتك قبل أن ينفجر الشارع لدينا، ويخرج الأمر عن سيطرتنا.
وإنه لممَّا يدمي القلب، أن يكون قرار مجلس الأمن رقم 2085 القاضي بإرسال قوات إفريقية لمالي والذي تتخذه فرنسا ذريعة لحربها الاستعمارية بإدعائها العمل على تسريع تفعيله قد اتُّخذ خلال رئاسة المغرب لمجلس الأمن وفي ظل حكومة مغربية تقول أنها "إسلامية". وكذلك أن يأتي خبر استباحة القوات الفرنسية للأجواء المغربية من الرئيس الفرنسي، بينما حكومة "الإسلاميين" صامتة صمت القبور وكأنها تستعين بالسر والكتمان لقضاء حاجات فرنسا في غفلة عن الشعب ولكي لا تستجلب نقمته عليها.
أيها المسلمون،
إن ما يهمُّ فرنسا في مالي ليس وحدة أراضيها، فالتاريخ يشهد على أعمالها الخبيثة لتقسيم بلاد المسلمين ابتداءً من اتفاقية سايكس-بيكو في بلاد الشام مروراً بتقسيمها لشمال إفريقيا، وأياديها ظاهرة للعيان اليوم في سعيها الحثيث لفصل إقليم دارفور عن السودان. كما إن فرنسا لا يهمُّها سلامة حكام مالي مهما بلغت درجة تفانيهم في خدمتها، فبالأمس القريب، وبعد إبرامها صفقةً مع منافستها أمريكا، تنازلت فرنسا عن عميلها المخلص لوران غباغبو فاعتقل بشكل مهين، بملابسه الداخلية من وسط غرفة نومه في 11/4/2011.
كما أن فرنسا لم ترسل قواتها للدفاع عن أمن المنطقة كما ادعى سفيرها بالمغرب في حواره مع إذاعة البحر الأبيض المتوسط يوم 18/1/2013، وإنما لتأمين مصالحها واسترجاع نفوذها وإن رَوَّعت آلة القتل الفرنسية الآمنين ونشرت الخراب وهَجَّرت السكان كما فعلت إلى جانب أمريكا وقوات الناتو بأفغانستان.
إن ما يهم فرنسا هو مصالحها في مالي، هذا البلد الغني بالثروات المعدنية من ذهب وفوسفات وكاولين وبوكسيت وحديد وأورانيوم،...، وقد اشتد التنافس الدولي على مالي خصوصاً بعد انقلاب 22/3/2012 الذي أتى بعملاء أمريكا إلى الحكم، فخشيت فرنسا أن تخرج مالي من دائرة نفوذها، فتُحرم من إمكانية الاستمرار في نهب خيراتها. فالقضية إذاً، ليست قضية حركات مسلحة، ولا حرص على أضرحة أو حريات، ولا قضية "إرهاب" مزعوم، بل القضية بكل بساطة هي صراع استعماري محموم، كلٌّ يريد أن يقضم من بلادنا ما يُشبع به نهمه الرأسمالي القبيح، ففرنسا لا همّ لها إلا أن تعيد مالي لحظيرتها الأفريقية، أما أمريكا، فهي تسعى لجعل مالي نقطة ارتكاز، تنطلق منها لتزاحم فرنسا في منطقة وجودها التاريخية، وتوسّع نفوذها بين الجوار تمهيداً للهيمنة عليه.
أيها المسلمون،
إن أهل مالي هم إخواننا في الدين، تجمعنا بهم العقيدة والتاريخ والجغرافيا، يسوؤنا ما يسوؤهم، ويفرحنا ما يفرحهم، فلا تُسلموهم لأعدائهم، ولا تسكتوا على حكامكم الذي يفعلون ذلك، ولكن أنكروا عليهم. قال صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُ أَخُوُ المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ». واعلموا أن فرنسا لم تكن لتتجرأ أن تقطع البحار والفيافي لضرب إخوانكم لو كانت تعلم أن للمسلمين دولة تحميهم وتنافح عنهم، وتلقن المعتدي عليهم دروساً تنسيهم وساوس الشيطان، لكنها فعلت ذلك، عندما رأت أن المسلمين حمى مستباح، وأن حكامكم عون لهم عليكم بدل أن يكونوا درعاً لكم، ولا فرق فيهم بين حاكم بلحية وآخر بدونها فهم في التواطئ واسترضاء الغرب سواء.
لهذا، نذكركم وأنتم أهل للذكرى، أن خلاصكم في وصول الإسلام للحكم وليس في وصول "الإسلاميين" له، وأن الخلافة هي حصنكم، وأن خليفة المسلمين هو درعكم الذي تتقون به عدوكم، بل وسلاحكم الذي تلاحقونه به في عقر داره، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». فاعملوا مع حزب التحرير، وسارعوا الخطى لجعل الخلافة، هذا الفرض الإلهي، واقعاً معاشاً في أقرب الآجال، فتحقنوا بذلك دماءكم وتحفظوا أعراضكم وتتنعَّموا بخيراتكم، وقبل هذا كله تنالون رضا ربكم فتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في المغرب
08 ربيع الأول 1434هـ
20-01-2013م