بسم الله الرحمن الرحيم
قضية الصحراء: إلى متى سيقبل المغرب
بالتدخل السافر لدول الغرب في شؤونه؟
صادق مجلس الأمن في 25/4/2013 على القرار رقم 2099 الذي يمدد مهمة المينورسو لسنة واحدة (إلى غاية 30/4/2014)٬ دون أن يوسع صلاحياتها. وكان المغرب قد أثار ضجة كبيرة حين قدمت الإدارة الأمريكية في 16/4 مشروع قرار ينص على توسيع تفويض مهمة الأمم المتحدة في الصحراء لكي يشمل مجال مراقبة حقوق الإنسان، حيث أعلن المغرب عن تجميد مشاركته في مناورات الأسد الإفريقي التي تجري في جنوب غرب المغرب (قرب مصب وادي درعة) بمشاركة 1400 عسكري أميركي و900 عسكري مغربي.
واعتبر المغرب "التراجع" الأمريكي فتحاً مبيناً، واجتهد المجتهدون لنسبة النصر لمن جلبه (هل هو القصر أم الحكومة)، ثم اعترف الجميع طوعاً أو كرهاً أن هذا الفتح هو من إنجاز القصر الذي سارع بمجرد صدور مشروع القرار الأول، إلى إجراء اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف شرقاً وغرباً حتى استطاع التأثير على الموقف الأمريكي ودفعه إلى سحب مشروع قراره.
وبعيداً عن هذه الضحالة السياسية، والانتصارات الوهمية، نود أن نلفت الأنظار إلى الأمور الآتية:
1- لقد أظهرت زوبعة توسيع صلاحيات المينورسو أن القرارات لحل قضية الصحراء هي بيد أمريكا وفرنسا ثم باقي الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، فإذا توافقت أمريكا وفرنسا وبريطانيا على الحل أو استطاعت إحداهما فرض حلها على الأخرى فستجد مشكلة الصحراء طريقها إلى الحل وإلا فإن الصراع سيطول أمده. فالصراع في الصحراء صراع دولي بأياد محلية غايته بسط النفوذ بالمغرب وبدرجة أقل بموريتانيا والجزائر والاستيلاء على الموارد الطبيعية التي تزخر بها الصحراء.
2- لقد احتج المغرب على تمديد صلاحيات البعثة الأممية، ولم يحتج على وجودها أصلاً، ولا على أحقيتها في التدخل في النزاع. وكان الأجدر به إذا كان يرى أن الصحراء أرضٌ مغربية أن يعتبر بالتالي أن الصراع مع البوليساريو هو صراع داخلي، وأنه ليس لأحدٍ الحق في أن يتدخل فيه، تماماً كما تفعل إسبانيا مع دعاة الحركة الانفصالية في الباسك أو بريطانيا مع دعاة الحركة الانفصالية في إيرلندا وفرنسا مع كورسيكا... فلماذا تعالج هذه الدول هذه القضايا ضمن سيادة بلدانها، بينما يسمح المغرب لمجلس الأمن ومن ورائه أمريكا وفرنسا وباقي الدول الاستعمارية لكي يحشروا أنوفهم في مسألة داخلية؟
3- فور التوصل إلى تسوية تتعهد أمريكا بموجبها "سحب" مشروع قرارها، وقبل التصويت رسمياً على القرار الجديد الذي لا ينص على تمديد صلاحيات البعثة الأممية، أعلنت السفارة الأميركية في الرباط، في 24/4، أن المناورات العسكرية الأميركية المغربية التي أعلن المغرب تأجيلها، ستجري بشكل جزئي. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن رودني فورد، المتحدث باسم السفارة الأميركية في المغرب قوله: "إن الحكومة المغربية سألتنا في الساعات الـ 48 الماضية، ما إذا كان بإمكاننا المضي في مناورات الأسد الأفريقي". أي أن المغرب ابتلع الإهانة وأنه هو الذي سارع للتراجع عن قراراه بتجميد المشاركة في المناورات والطلب من أمريكا استئناف المناورات خوفاً من إغضابها!.
4- كما أنه بعد يومين من التصويت على القرار التقى توم دونيلون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي باراك أوباما وفدا مغربيا مشكلا من الطيب الفاسي الفهري مستشار الملك ويوسف العمراني الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية والتعاون ومحمد ياسين المنصوري المدير العام للدراسات والمستندات ورشاد بوهلال سفير المغرب في الولايات المتحدة الأمريكية وتناول اللقاء توسيع وتعميق العلاقات الإستراتيجية بين البلدين. مما يكشف على أن أمريكا حصلت على مكاسب من خلال ضغطها على المغرب وعلى أن التعاون والتنسيق الأمريكي المغربي في المجال الأمني والعسكري والدبلوماسي سيتسع بما يحقق مصالح أمريكا في المنطقة وخاصة بمنطقة الساحل والصحراء (مالي).
5- إن عودة العلاقات مع أمريكا لطبيعتها وزيادة بعد القرار الجديد يوحي بأن مشكلة المغرب الوحيدة معها هي توسيع صلاحيات البعثة الأممية، وما عدا ذلك، فليس لدينا معها أي خلاف!! أي أن كل الجرائم التي ترتكبها أمريكا في العالم الإسلامي في فلسطين والعراق وأفغانستان... كل هذا لا قيمة له في الموقف المغربي!
6- إن أمريكا دولة استعمارية ولا يوجد في قاموسها صداقات دائمية وإنما صداقاتها تدوم بدوام مصالحها، فرغم ما سيقدم لها المغرب من تنازلات ورغم ما سيؤدي لها من خدمات ظنا منه أنه يشتري حيادها ودعمها، فستبقى تبتزه ليسير في مخططاتها وليحقق مصالحها.
7- إن المطلعين يعلمون أن أمريكا ليست جادة في حل الصراع في الصحراء، وأنها ترفع سخونته أو تخفضها بحسب مصالحها في المنطقة ومدى تجاوب حكام المنطقة مع رغباتها. أما غاية أمريكا الأساسية منذ بدأت التدخل الفعلي فيه في 21/11/1979 حين تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة (تأكيد الحق المشروع للشعب الصحراوي في تقرير مصيره والاعتراف بالبوليساريو ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الصحراوي)، هي جعل هذا الملف مدخلاً لتحقيق مزيد من الاختراق في المنطقة والحلول محل أوروبا (فرنسا وبريطانيا). وأقرب دليل على هذا، التقرير الأخير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 08/04/2013 عن (الحالة فيما يتعلق بالصحراء الغربية)، والذي يحمل رقم (S/2013/220)،حيث يورد التقرير التحركات المكثفة لمبعوثي الأمين العام واجتماعاتهم المتكررة مع العديد من هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في المغرب والجزائر وموريتانيا وتندوف، ... بالإضافة إلى الهيئات الرسمية (المسئولين المحليين، أعضاء الحكومة، البرلمانيين، قادة الأحزاب السياسية، ...)، حتى ليخيل للقارئ أن هؤلاء المبعوثين لم يدعوا أحداً في المنطقة إلا جالسوه واستمعوا له، و الساذج وحده من لا يعي الهدف الحقيقي من وراء كل هذه اللقاءات. كما أن التقرير لم ينفك يوصي بإشراك الأمم المتحدة في كل ما يجري في الصحراء بما في ذلك (الحلقات الدراسية المتعلقة بالثقافات الصحراوية!) وما يسمى إجراءات بناء الثقة ودفع الزيارات المتبادلة لصلة الأرحام!.
8- إن الواضح أن أمريكا تريد أن تبقي القضية مفتوحةً إلى أن يحين أوان قطف الثمار بالنسبة لها، وحتى يتسنى لها فرض ما ترتضيه من حلول (إجبار المغرب على الموافقة على حق تقرير المصير في الصحراء)، نصت الفقرة 111 من تقرير الأمين العام (المشار إليه أعلاه) على أن كلا الطرفين يجب أن يقبل بأن أيّاً منهما لن يحصل على جميع طلباته، وبأن عليه القبول بمنطق الأخذ والعطاء، أي أن الباب سيشرع لمسلسل من المفاوضات وأشواط مما يسمى الدبلوماسية المكوكية سيستمر إلى أن ينضج الحل التوافقي الذي يحقق الرؤية الأمريكية ولو على المدى البعيد.
أيها المسلمون، يا أهل المغرب،
إن أمريكا دولة مستعمرة، أذاقت إخوانكم الويلات في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، ... وهي تتدرب اليوم في بلادكم لكي تنمي مهاراتها في ضرب إخوانكم، وإن حقدها على الإسلام والمسلمين لن يجعلها أخف بطشاً بكم من بطشها بإخوانكم، ولا أقل مكراً بكم من مكرها بإخوانكم، فلا تسلموها أموركم، ولا تضعوا قضاياكم بين يديها، منذ متى يستأمن الذئب الشرس على الغنم؟
إن مشكلة الصحراء، ليست إلا أحد أعراض مصيبة أكبر، وهي غياب الإرادة السياسية الحقيقية والعمل السياسي المخلص الجاد، ولو أن شيئاً يسيراً منهما وُجد عند حكامكم، لما دام هذا الصراع قريباً من أربعين سنة، حتى أريقت فيه شلالات الدماء، وأنفقت فيه الملايير دون جدوى، ثم بعد ذلك تتحول بلادنا إلى مسرحٍ مستباحٍ لتدخل الدول الكبرى ومنفذٍ لهم لاختراقنا والاطلاع على أدق تفاصيلنا.
إن مشكلة الصحراء هي إحدى ثمار هذه الحدود المصطنعة اللعينة التي أورثناها الاستعمار، وإلا فإن بلاد المسلمين واحدة لا يحدُّها جبلٌ ولا نهر، وكما أن عقيدتهم واحدة، فالأصل أن يكون كيانهم السياسي واحداً، ورايتهم واحدةً، وخليفتهم واحداً، لا أن يكونوا نيفاً وخمسين مزقةً يكاد بعضها أن لا يُرى على الخريطة، والأدهى والأمر، أنه لا يزال فيهم من يسعى إلى تمزيق الممزق وتقسيم المقسم. فإلى متى ترضون بهذه التجزئة؟ وإلى متى تسمحون لأعدائكم أن يعبثوا بكم؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾
حزب التحرير – المغرب
20 من جماذى الثانية 1434 هـ
الموافق 30/4/2013م