بسم الله الرحمن الرحيم
خبر وتعليق
الفقر والبؤس ينهشان لحوم المغاربة وحكامهم لاهون عنهم
الخبر:
نشر موقع فبراير.كوم بتاريخ 7/1/2013، تحقيقاً محزناً عن حالة زوجين في أرذل العمر يعيشان في قبو مظلم في أقاصي جبال الأطلس. العجوزان، عزيز والطاهرة، نموذج مصغر لما يعيشه آلاف المغاربة المحرومين في صمت بعيداً عن دائرة الضوء. فالطاهرة، امرأة مقعدة لم تتحرك من مكانها منذ 10 سنوات، حتى إن جلدها التصق بالأرض العارية حيث تتمدد فوقها ليل نهار. أما الزوج عزيز فهزل جسمه وفقد بصره، وبقي يحضن زوجته داخل القبو المظلم إلى جانب الجرذان والصراصير وغيرها من الحشرات. حاول الجيران أكثر من مرة أن يمدوا يد المساعدة، لكن ظروفهم لم تكن أحسن حالاً، فالناس هناك يعيشون معاناة يومية مع البرد والجوع، ويقتسمون كؤوس الشاي والخبز فيما بينهم يومياً، إذ لا طعام لهم ولا وجبة غيره. الزوجان عزيز والطاهرة، لهما ابن وحيد، وهو يعاني من اضطرابات نفسية مما عمق مأساة العائلة، التي بقيت أجسامها تتآكل من شدة البرد والجوع والعفن.
في الأسبوع الماضي، ابتسمت الطاهرة لأول مرة، فمنذ زمن بعيد لم تسمع صوتا غير صوت زوجها المبحوح، لأول مرة تحس بالحركة داخل قبوها، تحس بالدفء الذي عانقته بسبب صورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. يوم الخميس، سمحت الطاهرة لنفسها بأن تحلم وأن تعبر عن ذلك، وكان أقصى حلمها مؤلماً كما كانت صورتها الأولى. عند سؤالها: ماذا تريدين؟ أجابت بفرح: "أريد أن آكل دانون!".
يقول رشيد، وهو أحد الذين قادوا عملية مساعدة العجوزين: «وجدنا فئرانا ميتة وحشرات وبرغوتا»، مضيفاً بألم «كيف نسمح لأنفسنا أن نعيش وننام بسلام وبنو جلدتنا يموتون وتأكل أجسادهم الرطوبة والجوع؟». وأكد أن «الصورة التي تم تناقُلها تبقى صورة، ولا تحمل سوى 70 في المائة من الحقيقة». هي صورة بدون رائحة، «حيث إن ملامسة الواقع تجعل الإنسان يبكي دماً عوض الدمع».
التعليق:
يحدث هذا في بلدٍ تعج أرضه ظاهراً وباطناً بالخيرات العظيمة، وينافس ملكه كبار مشايخ النفط في حجم ثروته، وتنفق حكومته المليارات على مهرجانات الفسق والفجور، ومع هذا تعجز الدولة عن توفير عيش يضمن أدنى حقوق الكرامة الإنسانية لعجوزين بلغ بهما الكبر عتياً. وحتى عندما تنتشر هذه الصورة المأساة الفضيحة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تتحرك أدنى شعرةٍ في أي حاكم أو وزير أو مسئول ليقول: يا ويلتاه بماذا أواجه ربي يوم القيامة حين يسألني عن هؤلاء؟ يا ويلتاه كيف أدافع عن نفسي أمام ربي وأنا أتقلب في الخيرات والنعم وغيري لا يجد كسرة خبز يطفئ بها جوعه؟
نعم لم يتحرك أي مسئول، لا ولا أيٌّ من قنوات الإعلام التي تتهافت لنقل أخبار المغنين والرقاصين، المغمورين منهم والمشهورين، لنقل هذه المأساة فضلاً عن علاجها أو العمل للقضاء على أمثالها، ليؤكدوا مرة أخرى أنهم ليسوا منا وأننا لسنا منهم، وأنهم لا ولن يحملوا همَّنا ولن يشفقوا لحالنا حتى لو رأونا نتساقط الواحد تلو الآخر من البرد والجوع والفقر والجريمة... وغير ذلك من الآفات التي أوجدوها فينا نتيجة تقصيرهم في رعايتنا وإهمالهم مشاكلنا وانشغالهم بمصالحهم الشخصية ومشاريعهم المالية عن تدبير أمورنا. نعم إننا مع كل موقف خزي لحكامنا نؤكد كذلك أنهم ليسوا منا ولسنا منهم فقد أذلوا الكبير والصغير، واستأثروا لأنفسهم بخيراتنا ومنعونا الفتيل والقطمير، وسلطوا علينا سياط جبرهم حتى أصبحنا نعيش في سجن كبير، وقبل هذا وبعده لم يحكموا بالإسلام قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
لكننا نقول لهم إن زمانهم، ولله الحمد والمنة، قد أشرف على الانتهاء، وإن الفرج قريبٌ نكاد نجد ريحه، وإن زماناً يحكمنا فيه رجال عظام من أمثال عمر بن الخطاب قد أهلَّ. ذكرت كتب التاريخ أنه في السنة الثامنة عشرة من الهجرة حين دخل ما يسمى بعام الرمادة وهو العام الذي حصل فيه قحط وجوع شديد، حرَّم عمر على نفسه طيِّب الطعام وقال: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم؟ وحلف رضي الله عنه أن لا يأكل سمينًا حتى يرفع الله الضائقة عن المسلمين، وضرب لنفسه خيمةً مع المسلمين حتى يباشر توزيع الطعام بنفسه على الناس، ولقد كان رضي الله عنه يمضي إلى الجماعة من الناس وبيده الزيت وما تيسر من الطعام فيطرح ردائه، ويطبخ لهم ويطعمهم، ثم يبكي ويقول: آه يا عمر، كم قتلت من نفس؟ وقف عمر ذات يوم على المنبر ببُرْده المرقّع، وأثناء الخطبة قرقرت بطنه، فخاطبها قائلاً: "قرقري أو لا تقرقري، والله لا تشبعين حتى يشبع أطفال المسلمين".
وإننا نقول لأمتنا وللعاملين للتغيير، إنكم تدركون ونحن معكم أن بيوت الظالمين المفسدين أَوْهى من بيت العنكبوت، لكننا نُبَصِّركم بأن لا تُقووا أركانه ولا تُطيلوا عمره، وذلك بالرضا بتغيير الظالمين المفسدين دون تغيير البيوت، أو الاشتغال بإصلاح مظاهر الظلم والفساد عن اجتثاث أسبابه، وندعوكم لإزالة العناكب وبيوتها. ونُذكركم أن أس البلاء وسبب الداء أننا لا نحيا بالإسلام فعلاقاتنا تسير بأنظمة وضعية غير إسلامية، وإن سبيل خلاصنا هو في استمساكنا بإسلامنا وإقامتنا لدولته (الخلافة) التي تعلي مناره وتطبق أحكامه وتحسن رعاية أبنائه وأهل ذمته داخليا وخارجيا. فلا تضعوا جهودكم وتضحياتكم في غير موضعها.
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ
فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
واعلموا أننا ما لم نحيَ حياةً إسلاميةً فستبقى مظاهر الظلم والفساد وسوء الرعاية في مجتمعنا قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا). فإلى العمل الجاد والتغيير الحقيقي ندعوكم، واعلموا أنكم إن فعلتم فلكم وعد الله بالاستخلاف والتمكين للدين والأمن، ولكم بشرى رسول الله بأن يكون الحكم راشدا، ويومها لن نذْرِف دمعا ولا دما على سوء أحوالنا بإذن الله لأن حاكمنا «رشيد» والمستظل برعايته «عزيز» والمرأة عنده عفيفة «طاهرة» يفديها بالغالي والنفيس، والمسلمون من حوله أعوان له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تذر السماء من قطر إلا صبته مدراراً. ولا تدع الأرض من نباتها وبركاتها شيئاً إلا أخرجته). رواه البزار.
محمد عبد الله