الخبر:
نشر موقع وزارة الخارجية المغربية بتاريخ 2014/12/31، تعليقاً على إثر تصويت مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع القرار العربي الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، تعرب فيه المملكة المغربية، التي يرأس عاهلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لجنة القدس، عن بالغ أسفها وخيبة أملها لهذا الموقف. ويعتبر المغرب أنه لم يعد مقبولاً، بعد مرور حوالي نصف قرن من الاحتلال و23 سنة من المفاوضات، ألا يتحمل المنتظم الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، مسؤولياته في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفي إقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، وفي وضع حد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والسلم في الشرق الأوسط وفي العالم. وستظل المملكة المغربية مساندة للقيادة الفلسطينية وداعمة لجميع حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه في إقامة دولة فلسطين المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.
التعليق:
لقد كان الأولى للمغرب أن لا ينشر تعليقاً أصلاً على أن ينشر مثل هذا الكلام المتهافت، أما أوجه تهافته فنختصرها فيما يلي:
• إن إنهاء احتلال يهود لفلسطين لا ولن يكون بقرارٍ من مجلس الأمن، وأقلُّ ما يقال عمن يعتقد غير هذا أنه ساذج لدرجة البله.
• لقد كان من الواضح سلفاً أن الأمريكيين سيستعملون حق النقض لمنع تمرير القرار، وهذا أمرٌ لم يخفوه بل أعلنوه. نشرت الجزيرة. نت بتاريخ 12/23، نقلاً عن مسؤولين فلسطينيين حضروا اجتماعاً في 12/16 بين وفد فلسطيني ووزير الخارجية الأميركي جون كيري بلندن أن كيري تعهد باستخدام بلاده حق النقض (الفيتو) لإسقاط المشروع الفلسطيني. فالإصرار على طرح القرار إذن عبثٌ محض.
• لا يوفر المغرب فرصةً للتأكيد أنه يعترف بدولة يهود ويقبل بوجودها، فرغم قصر بيان وزارة الخارجية المغربية (127 كلمة) إلا أنه كان حريصاً على التذكير مرة أخرى بأنه لا يحمل أي عداءٍ مبدئي لكيان يهود، فقد تضمن البيان أكثر من إشارة واضحة على الاعتراف بكيان يهود، منها قوله "مرور حوالي نصف قرن من الاحتلال"، فالمغرب إذن يعتبر أن الاحتلال قد بدأ فقط سنة 1967 (قبل 47 سنة) حين احتل كيان يهود الضفة الغربية وقطاع غزة، أما ما احتله في 1948 (مضى عليه 66 سنة) فهو حلالٌ زلال على يهود وغير داخل في الحسبان، وكذا قوله "دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967" وقوله "جنباً إلى جنب مع إسرائيل"...
• إن قبول تحكيم الكفار في قضية مصيرية للمسلمين كهذه هو خيانة لله ولرسوله. إن مجلس الأمن والغرب هو من أنشأ دولة يهود وتعهدها بالرعاية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ليجعلها خنجراً مسموماً في خاصرة الأمة الإسلامية، وحاجزاً بين مصر وبلاد الشام يمنع جناحي بلاد المسلمين من التوحد وتكوين دولة إسلامية قوية، لذلك فالتعويل على الغرب لاستعادة شيء من حقوق المسلمين، فضلاً عن كونه محرماً شرعاً، فإنه ضرب آخر من ضروب العبث السياسي.
• إن الكلام عن لجنة القدس هو إمعان في تمييع قضيتها، وبإطلالة بسيطة على تاريخ هذه اللجنة وسجل إنجازاتها العظيم، نتأكد أنها إنما أنشئت لطمس قضية القدس وليس للدفاع عنها فضلاً عن تحريرها، وذلك سيراً على المثل الشعبي: "إذا أردت أن تقتل قضية... فأنشئ لها لجنة". فتحت ستار اجتماع اللجنة وتحديد جدول الأعمال وتشكيل اللجان الفرعية ونقاش المستجدات وتهيئة الردود على الظروف الدقيقة والعصيبة، و...، تضيع الأوقات والجهود ويتكرس الأمر الواقع شيئاً فشيئاً بل ويسوء. وهذا فعلاً ما حصل، فقد أنشئت اللجنة بموجب القرار الصادر عن المؤتمر الإسلامي السادس لوزراء الخارجية في يوليوز 1975 (8 سنوات بعد احتلال الشق الشرقي للقدس الذي يضم المسجد الأقصى، و27 سنة بعد احتلال شقها الغربي) وبقيت اللجنة 4 سنوات دون رأس إلى غاية سنة 1979 حيث عين الملك الحسن الثاني رئيساً لها. ثم انطلقت اجتماعات اللجنة بزخمٍ مرتفعٍ حيث عقدت ثلاثة اجتماعات سنة 1980 وكأنهم يهيئون لإرسال الجيوش لفتح بيت المقدس، ليتبين فيما بعد أن هذه الاجتماعات المتلاحقة لم تكن إلا تمهيداً لمؤتمر فاس الذي انعقد سنة 1981 وتبنى مبادرة الأمير فهد بن عبد العزيز التي تجرأت لأول مرة على الاعتراف بكيان يهود مقابل تراجعها عما احتلته سنة 1967. ثم تراخت الاجتماعات بعد ذلك بمعدل اجتماع كل سنة أو سنتين، إلى أن وصلت الدورة 19 في 2002 حيث توقفت الاجتماعات لمدة 12 سنة متتالية، ويبدو أنهم كانوا مضطرين لعقدها رفعاً للعتب فقط حيث نظمت الدورة العشرون بداية سنة 2014 وكانت دورةً باردةً طبعاً كسابقاتها لا تُسمن ولا تُغني من جوع. ولعل أجرأ قرار اتخذته اللجنة في تاريخها على مدى 40 سنة، هو ذاك الذي اتخذته في دورتها الاستثنائية المنعقدة في أبريل 1984 بفاس حين قررت قطع العلاقات الدبلوماسية فوراً مع كوستاريكا والسلفادور بعد إقدامهما على نقل سفارتيهما من تل أبيب إلى القدس، وأوصت بتكثيف الاتصالات مع حاضرة الفاتيكان وحثها على اتخاذ موقف صريح ومعلن من الإجراءات الإسرائيلية في القدس... وخصصت يوم 18 ماي 1984 في جميع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ليكون يوماً للقدس تخصص خطب الجمعة فيه للتنديد بالأعمال العدوانية التي تمارسها دولة يهود ضد القدس الشريف!! نعم هذه هي حصيلة 20 دورة و40 سنة من العمل الدؤوب، أعطت الفرصة لدولة يهود لتوسيع الاستيطان كما يحلو لها، وتكريس سيطرتها على الأرض وخنق الوجود الفلسطيني بشرياً واقتصادياً، ولو أن المجتمعين أحسنوا إنفاق عُشر ما بذّروه في اجتماعاتهم الفارغة لحرروا القدس!
إن المحزن في الأمر أنه عندما يتعلق الأمر بحقوقنا، فإنا نُـوكِل الأمر كله إلى مجلس الأمن، وننتظر مكتوفي الأيدي حتى يأتي الفرج من عنده، ونجلس نندب حظنا، إن لم يستجب ما يسمى المجتمع الدولي لمطالبنا العادلة والمشروعة. أما عندما يتعلق بمسايرة مشاريع الغرب، فإن لغة التروي والتعقل تختفي، وتظهر الجيوش وقوة السلاح. وقد دأب المغرب على إرسال فيالق من جيشه في عدد كبير من الحالات إلى مناطق الصراع في إفريقيا وخارجها، آخرها ما نشرته وسائل الإعلام في 12/21عن مشاركة الجيش المغربي لنظيره الأمريكي في عملية عسكرية واسعة في الكونغو لمواجهة عناصر "جيش الرب" المتمردة على سلطة جوزيف كابيلا عميل أميركا، وما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في آخر نوفمبر الماضي عن إرسال المغرب عدة وحدات من قواته الجوية، لتوجيه ضربات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
• أفلم يكن أجدر بهذه القوات أن تلبي نداءات استغاثة إخواننا في غزة حين كان يهود يقصفونهم بالليل والنهار في شهر رمضان الماضي وهم صائمون وقائمون؟
• ألم يكن أجدر بهذه القوات أن تلبي نداء المقدسيين وهم يطردون من أراضيهم وتهدم دورهم وتصادر أملاكهم ظلماً وعدواناً؟
• ألم يكن أجدر بهذه القوات أن تلبي نداءات إخواننا في ميانمار وهم يواجهون الإبادة والتقتيل البشع على يد البوذيين الحاقدين؟
• ألم يكن أجدر بهذه القوات أن تلبي نداء إخواننا وهم يعذبون في العراق وأفغانستان والصومال وإفريقيا الوسطى و...
أم أن أسماع مسئولينا تُصَمُّ حين يتعلق الأمر بنداءات المسلمين، ولا تُفَتَّح إلا إذا كان الطلب غربياً!؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير محمد عبد الله
|