بسم الله الرحمن الرحيم
ما بين الحس الأمني .. والجبن
ما يزال الصراع بين الحق والباطل ،، بين أهل الرسالة والدعوة وأهل الغي والضلال قائماً إلى يوم الدين فهو من سنة الله في خلقه ، هذا الصراع الذي يجعل أهل الباطل يقفون بالمرصاد ويحاولون بكل الوسائل القضاء على المعتقدات وأصحابها ، والأفكار الجديدة وأهلها مما يجعل أهل الحق والدعوة يتسمون بالحيطة والحذر وأحياناً التكتم. وهو ما يمكن أن نطلق عليه الحس الأمني. هذا الحس الذي لا بد منه لكل فرد من أفراد الأمة ، في كل أمر من أمور حياته، الخاصة منها والعامة. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود ) فإذا كان الكتمان في الحوائج الشخصية المادية مطلوبا ، فيكون في الأمور المتعلقة بمصير الأمة أكثر ضرورة . فلذلك لا بد من توافر هذا الحس لدى حملة الدعوة ، كل حسب البيئة التي يعيش فيها، والمجتمع الذي يخالطه، والقوى التي تواجهه ، خوفًا على الدعوة ورجالها من كيد الأعداء وبطش الطغاة ، ومن أن يُحال دونهم ودون تبليغها ونشرها . ووجب عدم الثرثرة في أمور تفصيلية خاصة بالأساليب الخصوصية في حمل الدعوة، مثلاً أين تذهب ومع من تدرس ومن يعطيك، وهذه المعلومات التي لا تفيد الدعوة ولا أهلها بل بالعكس يمكن أن تضرهم.
وهذا الحس الأمني كان موجوداً منذ الأيام الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا ، منذ الدعوة السرية ودار الأرقم في مكة ، وبيعة العقبة ، والهجرة النبوية وغيرها من المواقف والظروف .
وعلينا أن نعلم أن هذا الحرص والحس الأمني لا يكون من باب إنكار الابتلاءات أو التهرب منها، حيث إنها سنة الله للاختبار والتمحيص، وتكون النجاة منها أو النجاح فيها منَّة من الله تعالى على حملة الدعوة ،قال تعالى:" أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" وقال " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ".
فالمسلم يسأل الله العافية، وبنفس الوقت لا يبخل أن يجود بنفسه في سبيل نصرة هذا الدين إذا ما دعى الداعي لذلك ولسان حاله يقول :
ولست أبالي حين أُقتلُ مسلماً على أيِّ جنب كان في الله مصرعي
ولكن وجب الانتباه بعدم تحول هذا الحس الأمني إلى جبن وتقاعس عن العمل، خاصة لما نلمسه حولنا من إعطاء الأمن والمحافظة عليه أهمية بالغة فأصبحت له أساليبه ووسائله المتطورة وتقنياته المتقدمة، وأجهزته المستقلة، وميزانياته الكبيرة ، وأضحت المعلومات عامة والمعلومات الأمنية خاصة، تباع بأغلى الأثمان، ويضحى في سبيل الحصول عليها بالنفس إذا لزم الأمر .
نعم ..كل حامل دعوة بل كل مسلم على ثغرة من ثغر الإسلام ويعمل بحول الله تعالى أن لا يؤتينَّ من قبله ،، ولكن هو بنفس الوقت كيَّس فطن يعرف كيف يتصرف حسب الموقف .
نعم .. وجب التكتم في معلومات كثيرة ووجب الحرص في التحرك والتنقل والكلام ولكن ليس الامتناع عن العمل إذا شعر بخطر أو ملاحقة .عليه بالأخذ بالأسباب والتوكل على الله والقيام بحمل الدعوة بكل ثبات وقوة ورغبة وحماس.
فهناك فرق بين أن يكون عندي حس أمني عندما أقوم بأي أمر يتعلق بالدعوة بحيث انتبه للطريق والرفيق والمكان الذي يمكن أن أغيره حسب الوضع ، وبين أن أمتنع عن الذهاب نهائيا بحجة الخوف لأنه يمكن أن يكونوا عرفوا المكان .
نعم .. هناك فرق بين التورية في ذكر انتمائي لحزبي وكتلتي من باب الحس الأمني وبين إنكاري لذلك من باب الخوف والجبن .
نعم.. هناك فرق بين اختياري الأسلوب اللين أو التكتم في حمل الدعوة أحياناً في موقف معين ، وبين أن أصدع بالحق وبقوة في حال لزوم ذلك وحاجته ولا أخشى في الله أحدا أو شيئاً .
نعم .. هناك فرق بين حرصي على نفسي أو أي أحد من أهلي وأحبابي الذين يحملون الدعوة والأخذ بالأسباب لذلك، وبين التوقف أو المنع من حمل الدعوة بحجة الحس الأمني والخوف مما يمكن أن نتعرض له .
فالثبات على الحق والدفاع عنه واجب علينا مهما كانت القوة التي نواجهها ومهما كان البطش والعذاب الذي يمكن أن نتعرض له بدون تهور وبدون جبن في نفس الوقت .
والكلمات التالية أخصصها لأختي حاملة الدعوة التي عندما تلمس أو تشم خبر إمكانية تعرضها أو ابنتها أو زوجها لملاحقة أو خطر ولو بسيط نتيجة حمل لهذه الدعوة فتخاف وربما تتقاعس أو على الأقل تتوقف عن الصدع بالحق أو تمنع نفسها أو غيرها من القيام بتبعات حمل الدعوة وواجباتها نتيجة هذا الخوف، أقول لها بل أعاتبها قائلة: ألم تستوعبي وتطبقي ما تلقَّيتيه عن حمل الدعوة؟ألم تدرسي أنها فرضٌ عليك كما هو على الرجل وأن مشاركتك الفعالة في أداء هذا الفرض تعني قيامك بنصرة الحق ومكافحة الباطل وتحدي السلطة الغاشمة والأخذ على يد الظلمة ؟!
ألم تعلمي أن التلبس بفرض حمل الدعوة يعني أنه يمكن أن تدخلي السجن وتتعرضي للتعذيب وتُطاردي من السلطة وتتواري عن أنظارها ؟! أم ظننتِ أن حمل الدعوة فقط يكون في أوقات الرخاء وعدم الملاحقة والترصد من الظلمة فإن حصل هذا توقفتِ ؟
أليس حمل الدعوة يعني أن تجعلي هذه القضيةَ قضيتك المصيرية ، وأن تصبري وتضحي وتَبذلي كل غال في سبيل تحقيقها ,وأن تثبتي حين الابتلاء ؟!
فكيف بالله عليك بعد كل هذا تخلطين بين الحس الأمني .. والجبن والتقاعس ولو على الأقل بالتوقف لفترة عن حمل الدعوة كما أحيانا تفكرين ؟!!
وهذا الكلام أيضاً موجه لأخي حامل الدعوة .
فمطلوب منا أن نكون كالمسلمين الأوائل الذين نهلوا من قرآن ربهم، وهداية رسولهم ... نتعلم كيف نعد لكل شيء عُدته ، وكيف نأخذ بالأسباب ثم نتوكل على رب العباد ...
نتعلم كيف نتحسب لكل حدث وحديث ...
كيف وأين نضع أقدامنا ، ونحدد وجهتنا ...
كيف نمزج بين التحلي بالإيمان والشجاعة مع التبصر والحذر والحيطة ...
كيف يتم إبلاغ الدعوة إلى العامة .. ومتابعتها مع الخاصة ...
كيف ننجز المهمات ونقيم النتائج ونعدل الأساليب بكل عزم وثبات وحرص وانتباه ...
وفي الختام أسأل الله لي ولكم الثبات والصبر وأن يبعد عنا أعين الظلمة وأعوانهم حتى نصل إلى بر الأمان بعودة دولة الخلافة التي تحكم بشرع الله . وبحول الله تعالى نأتي بالإمام الجنة الذي يقاتل من وراءه ويتقى به .
كتبته للإذاعة : مسلمة
17 من صـفر 1432
الموافق 2011/01/21م