بسم الله الرحمن الرحيم
تسيُّب،ٌ أم إفساد مقصود؟
منذ بضع سنوات، طفت إلى السطح في المغرب ظاهرة الإعلانات في الشوارع، وفي فترةٍ زمنيةٍ قصيرة امتلأت شوارع المدن الكبرى بمئات الإعلانات حتى لا تكاد تخلو زاوية من دعاية كبيرة أو صغيرة.
إلا أنه لوحظ في الأشهر الأخيرة تجرؤ متزايد لأصحاب الإعلانات في المادة المعلنة، ولوحظ استغلال متزايد لمفاتن أجسام النساء في الإعلانات، إلى درجة يمكن أن تدخل تحت بند خدش الحياء العام (أو ما تبقى منه، لأنه يُخْدَشُ بل ويُطعن منذ زمن بعيد). فلوحظ مثلاً دعايات تظهر نساءً في أوضاع مثيرة كاشفات أجزاء كبيرة من أجسادهن، وأخرى تظهر رجال ونساء يتبادلون العناق، حتى وصل الأمر أن ظهرت دعايات للملابس الداخلية للنساء وبأحجام كبيرة!! فكيف حصل هذا؟
يقول خبراء علم التسويق (Marketing)، أن من أهم شروط نجاح الدعاية القدرة على جذب الانتباه، ولا شك أن هذا القول صحيح، إذ كيف يمكن تمرير رسالة كيفما كان محتواها، إذا لم يُعِرْكَ المخاطَب حواسَّه. إلا أن الإشكال هو في كيفية جذب انتباهه. إن علم التسويق بصفته علماً غربياً في الأساس، قد تم تطويره بما يتوافق مع قِيَم الغرب ومفاهيمه، وعلى رأسها، مفهوما "الغاية تبرر الوسيلة" و "المنفعة هي مقياس الأعمال"، لذلك، فقد اختار أهل هذا العلم أقصر الطرق لجذب انتباه الناس، وهي تهييج الغريزة الجنسية. فقد لاحظوا أن الناس ينجذبون لمنظر النساء العاريات، ويطيلون النظر إليهن، فقاموا باستغلال هذا أبشع استغلال، فحوّلوا المرأة إلى أداة لترويج المنتجات، وأصبح جسدها ومفاتنها وسيلة لتشجيع الاستهلاك، لذلك أصبح من النادر أن تجد دعايةً تخلو من امرأة جميلة، في وضع مُتَغَنِّجٍ، أو لباس مُتَـهَتِّكٍ، حتى ولو كان المنتج المعروض لا علاقة لـه بالمرأة. ولما كانت عقلية التنافس هي المسيطرة على المسئولين عن التسويق، فقد بدءوا يتسابقون فيما بينهم، أيُّهم أقدر على جذب الانتباه، فأخذوا يزايدون على بعضهم في التجرؤ على المحرمات والتابوهات، حتى لم يبقوا منها شيئاً، فأصبح كل شيء مباحاً ما دام فعّالاً في جذب الانتباه، وهذا هو ما يفسر التجرؤ المتزايد في مادة الإعلانات. فوصل الأمر في بعض بلاد الغرب إلى تضمين إعلاناتهم مناظر نساء ورجال عراة تماماً، أو مناظر جنسية فاضحة، بل وحتى مناظر جنسية سحاقية ولواطية، كل هذا في إطار مفهوم الحريات طبعاً، ومفهوم الغاية تبرر الوسيلة.
قد يقول قائل إنه لا داعي لتضخيم الأمر، فلا يمكن أن نصل نحن إلى ما وصلوا إليه، فأقول إن الغربيين كذلك، لم يكونوا يظنون قبل عقود قليلة أنهم سيصلون إلى هذا، لكن ما دامت عقلية المنفعة والغاية تبرر الوسيلة هي المتحكمة، فقد وصلوا إلى هذا الدرك من البهيمية، وما دامت هذه العقلية هي التي تُدَرَّس لطلبتنا، وتلقّن لهم على أساس أنها علمٌ عظيمٌ لا يناقش، ولا يجوز دحضه بل ولا حتى التشكيك فيه، فالأرجح أننا سائرون على خطاهم.
إن نشر هذه الإعلانات حرامٌ حرمةً قطعيةً، لأنه ينشر الفساد والعُهر في المجتمع، وقد توعّد الله فاعليه ومشجعيه بأشد العذاب في الدنيا والآخرة، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور: 19]. والإسلام يُعَلِّمُنا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، بل الغاية من جنس الوسيلة، فإن كانت الغاية مباحةً كترويج منتج، فلا مانع من الدعاية له، ولكن دون ارتكاب الحرام.
إن استغلال المرأة بهذا الشكل الرخيص، هو تحقير للنساء اللاتي كرّمهن الله وجعلهن شقائق الرجال، وهو يفضح دجل وخبث دعاة التغريب، الذين يتهمون الإسلام ودعاته باحتقار المرأة وبخسها حقوقها، بينما يقومون هم بتسخيرها لتسعير الشهوات الغريزية، والدعاية لِسِلَعِهِم.
والسؤال الآن: هل يوجد جهاز رقابةٍ في الدولة مكلّفٌ بمراقبة مادة الإعلانات قبل أن تُعْرَضَ في الشوارع، أم أن الأمر متروك للعارض كي يعرض ما يشاء؟ فإن كان الجواب بالنفي، أي أنه لا يوجد جهاز رقابة، فمعناه أننا نعيش حالة تسيّب، فمن حقنا أن نتساءل أين هي أجهزة الرقابة، وما هو دورها إن لم يكن الحفاظ على قِيَمِ المجتمع من عبث العابثين، وإن كان هناك جهازٌ للرقابة تُعرض عليه هذه المواد الإباحية، فيجيزها رغم كل ما تحتويه، فهذا معناه أن هناك إرادةً مقصودة لإفساد المجتمع، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
2006-04-08