بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا ينفر الناس من العمل السياسي؟
إن من أخطر وأغرب ما ابتُليت به مجتمعاتنا هو النفور من العمل السياسي. أما الغرابة فآتيةٌ من كون الناس على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم الفكرية (إسلامية / يسارية / علمانية) متفقون على سوء الأوضاع التي نعيشها ووجوب تغييرها، ومتفقون على أن التغيير لا يمكن أن يحصل إلا بعمل سياسي جاد، ومع ذلك فهم لا يعملون شيئاً لإيجاد التغيير ولا ينخرطون في الأعمال السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى التغيير حسب وجهة نظرهم.
وأما خطورته فآتية من كون هذا الواقع الغريب والسلوك غير الطبيعي للناس تحول هو أيضاً إلى عقدةٍ إضافيةٍ في وجه دعاة التغيير الجادّين، وإلى واقعٍ يحتاج هو أيضاً لتغيير.
إن أثر عزوف الناس عن العمل السياسي وانعكاساته السلبية على مجمل الحياة السياسية في البلاد لا يخفى على أحد. فمن المعلوم أن الدولة والأحزاب السياسية يحتاجون باستمرار إلى دماء جديدة لا تزال تملك مخزوناً من الطاقة والجهد والإبداع، ولم ينهكها تعاقب الأيام. ولعل أحد أهم أسباب الركود السياسي الذي تعاني منه بلداننا هو شيخوخة وترهّل الوسط السياسي: فالحكام والمعارضون على السواء لا يغادرون كراسيهم إلا إلى القبور أو إلى أسرة المستشفيات بعد أن يكون المرض قد نهش أجسامهم، والمتابع للأحداث يلاحظ بسهولة أن نفس الأسماء هي التي لا زالت تسيطر على المشهد السياسي منذ عقود حتى أصبح ما يجري في بلداننا شبيهاً بمسلسل "سانتا باربارا" حيث يمكن للمشاهد أن يضيع عشرات الحلقات فإذا عاود التفرج وجد كأنه لم يَفُتْه شيء!
لذلك كان لزاماً على دعاة التغيير أن يبذلوا وسعهم لدفع الناس، والشباب خصوصاً، لخوض غمار السياسة، وعدم ترك الحلبة السياسية نهباً وفريسة سهلةً للمتسلقين والنفعيين الانتهازيين. قال الشاعر:
ومن رعى غنماً في أرضٍ مَسْبَعَةٍ ونام عنها تولَّى رعيها الأسدُ
أما كيف يُحفَّز الناس للانخراط في العمل السياسي، فإن ذلك يقتضي منا أولاً معرفة سبب نفورهم للعمل على إزالته. والمدقق في المسألة يجد أن الأمر راجعٌ إلى ثلاثة أسباب رئيسية: 1- سيطرة أجواء الميوعة والانشغال بتوافه الأمور، 2- الخوف من التبعات الأمنية لكون العمل السياسي مرتبطاً في أذهان الناس بملاحقة أجهزة المخابرات والتعذيب، 3- ضعف الأحزاب السياسية وسيطرة أجواء الإحباط من إمكانية التغيير.
وإزالة السببين الأوليين تعود المسئولية فيهما للدولة لأنها هي التي أوجدتهما، فأما الميوعة فناتجة عن إشغال الشباب بسفاسف الأمور وبالفن الهابط وجعلهم يتعلقون بمن يدعون "نجوماً" زوراً وبهتاناً، وملء ساعات البث لوسائل الإعلام وصفحات المجلات والجرائد بما يضر ولا ينفع من الأخبار والحوادث، والاهتمام المبالغ فيه بالرياضة.... وأما الخوف من التبعات الأمنية، فمن المعروف أن الرعب المسيطر على الناس من مجرد ذكر السياسة، إنما هو ناتج عن التضييق الخانق (أمنياً وإدارياً) الذي مارسته الدولة ولا تزال على عمل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الجادّة، اللهم إلا من كان منهم سائراً حسب ما تشتهيه الدولة نفسها!
أما السبب الثالث، فإن الإنصاف يقتضي منا الاعتراف بأن الأحزاب السياسية مقصِّرةٌ في التقرب من الناس ومخالطتهم والتعرف على ظروف حياتهم ومشاكلهم اليومية ومشاركتهم همومهم وأفراحهم، ومقصِّرةٌ كذلك في توضيح غاياتها وبيان الأسس التي تقوم عليها، ومن ثم بلورة برامجها بشكلٍ عملي يلمس منه الناس قدرته على علاج مشاكلهم اليومية وتخليصهم من أزماتهم المتفاقمة. إن الفرصة الوحيدة التي يعرف الناس فيها أن هناك أحزاباً في البلاد هي مواسم الانتخابات، حيث تتنافس الأحزاب على إقامة المهرجانات لاستعراض شعاراتها، ثم تختفي بعد ذلك حتى الموسم الموالي.
إن إزالة هذه الأسباب الثلاثة هو وحده الذي يمكن أن يُحَفِّزَ الناس للعمل السياسي ويمكنه أن يقضي على حالة الركود السياسي، وعليه وجب أن يكون هذا هو الشغل الشاغل لدعاة التغيير الجادين.
08/11/2005.