لا تزال المصائب تتوالى علينا واحدة تلو الأخرى، فقد نشرت وسائل الإعلام خبر مأساة الأطفال الستة الذين لقوا حتفهم غرقًا فيما لا تزال عمليات البحث متواصلة عن خمسة أطفال يعتبرون في عداد المفقودين إثر حادث غرق وقع يوم الاثنين 2015/06/08 بأحد الشواطئ غير المحروسة المحاذية لواد الشراط بعمالة الصخيرات تمارة (جنوبي الرباط). وقبل حوالي شهرين في 2015/04/10، صدمنا بحادثة سير طانطان التي قتل على إثرها 34 شخصًا معظمهم أطفال في عمر الزهور، ليصدر تقرير التحقيق بعد ذلك، ويحمل المسئولية للسائق الذي قتل في الحادث ويقفل الملف وتُغيَّب الحقيقة. ثم توالت حوادث السير المميتة بعيدًا عن الأضواء والتغطية الإعلامية، لتقرع رؤوسنا صدمة من نوع آخر مع صدور الفيلم السينمائي الساقط الذي هز الرأي العام بمستوى بذاءته وفحشه، وبدل أن تسارع الجهات المعنية إلى معاقبة أصحاب هذا الفيلم بتهمة الجرم الفاضح الذي يُجرِّمه حتى القانون الذي خطوه بأيديهم، في الفصل 483 الذي ينص على أن: "من ارتكب إخلالاً علنيًا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. ويعتبر الإخلال علنيًا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتُكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم"، والفصل 490 الذي ينص على أن: "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة". أي أن للحكومة مسوغًا قانونيًا، بما أن جميع عناصر الجريمة مجتمعة وواضحة، لمعاقبة أصحاب هذا الفيلم، وجعلهم عبرة لمن يعتبر إن كانت فعلًا حريصةً على ذلك، إلا أنها مع ذلك اختارت التسامح كعادتها مع كل من أعلن الحرب على الله ورسوله وشرعه، واكتفت وزارة الإعلام من الغنيمة بالإياب وشربت حليب الأسود وقررت منع عرض الفيلم، فيما يسرح مخرج الفيلم والممثلون الذين شاركوا فيه ويمرحون دفاعًا عن تحفتهم ومدى جرأتها في تناول الواقع المسكوت عنه، وتغزو مقاطع من الفيلم الساقط المواقع (الاجتماعية). وقبل أن نصحو من هذه الصدمة، قرعت رؤوسنا فضيحة أخرى بصور الفاجرتين الفرنسيتين اللتين نشرتا صورهما عاريتين يتبادلن القبل في ساحة مسجد حسان، ومرة أخرى، وبدل أن تعتقلهما الدولة وتعاقبهما على هذا الجرم الفاضح، اكتفت بترحيلهما حرصًا على ألا تكدر صفاء العلاقات المغربية الفرنسية شائبة. وكأن كل هذا لا يكفي، فقد بثت القناة العمومية الثانية (دوزيم) مباشرة مساء الجمعة 2015/05/29 سهرة إحدى المغنيات الأمريكيات، المشاركات في مهرجان موازين سيئ الذكر، في لباس فاضح وهي تقوم برقصات مخلة بأدنى درجات الحياء.
ما هذا؟ وما سبب تلاحق المصائب والفضائح بهذا الشكل المتسارع؟ هل هو من قبيل الصدفة أم أن شيئًا ما يقف وراءه؟
إن السبب واضح، لقد فقدت الدولة الأساس الذي من أجله وجدت ابتداءً وهو الرعاية، فالدولة لم تعد ترعى شؤون شعبها ولم يعد همُّها جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، فأصبح الأمر أقرب إلى الفوضى. وبالعودة إلى المجموعة، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، والتي ذهبت للاستجمام في شاطئ غير محروس (لا يبعد عن العاصمة إلا بثلاثين كيلومترًا)، فإننا نتساءل: ماذا لو كانت هذه المجموعة تتكون من بعض الشباب الملتحين الذين يشك في كونهم من "الإسلاميين"؟ لو كان الأمر كذلك لرأينا قوات الأمن قد استنفرت وخرجت عليهم من حيث لا يحتسبون، ولوقفت لهم عن أيمانهم وعن شمائلهم، وحاصرت المكان وأخلتهم قبل أن تلامس أقدامهم الشاطئ. أما وأن المصطافين ليسوا "إسلاميين خطرين" فلا أحد يهتم بهم أو ينصحهم، وليسبحوا حيث شاءوا حتى لو فعلوا ذلك في برك التماسيح!
نعم، لقد أهملت الدولة رعاية شعبها، وتركت الطرق نهبًا لمافيات الطرق، والمستشفيات نهبًا للفساد والإهمال والتسيب واستغلال معاناة الناس وآلامهم، والمحاكم نهبًا للبيروقراطية ووسطاء الرِّشا، والاقتصاد مرتعًا للأقوياء يلتهمون الضعفاء، والتعليم بين كماشتي التعليم العمومي المتهالك والتعليم الخاص باهظ التكلفة، وتركت الشوارع نهبًا للعصابات تروع الآمنين وتسلبهم ممتلكاتهم في وضح النهار، وأشغلت نفسها بشيء واحد هو مطاردة الإسلاميين، فجعلت الشغل الشاغل لمعظم قوتها الشرطية والاستخباراتية هو اعتقال كل من تتحرك فيه الغيرة على المسلمين ويفكر مجرد التفكير في القيام بعمل من شأنه نصرة إخوانه، وفي هذه الأثناء يرتع الفاسدون في فسادهم وينشط الناهبون في نهبهم دون حسيب ولا رقيب، ولعل آخرها فضيحة الموثق الذي اختلس ودائع زبائنه المقدرة بخمسمائة مليون درهم (51.3 مليون دولار) قبل أن يفر إلى كندا، علمًا أنه كان متابعًا في حالة سراح مؤقت مقابل كفالة مالية بعد ارتكابه حادثة سير مميتة نتج عنها قتل أم وابنتها، أي أنه قتل شخصين ورغم ذلك أطلق سراحه، واستطاع الخروج من البلد وتهريب هذه المبالغ الضخمة دون أن يشعر به أحد، أيعقل هذا؟
أما عن الفضائح الأخلاقية، فلقد أصبح واضحًا للجميع أن الانحطاط الأخلاقي المتسارع هو نتيجة جهدٍ دؤوب مقصودٍ من أجهزة الدولة في نشر الفواحش والتسامح مع مرتكبيها وليس قدرًا مقدروًا لا طاقة لنا على وقفه، فمهرجان موازين مثلًا بُحَّت أصوات المعترضين عليه، وها قد وصل هذه السنة إلى دورته الرابعة عشرة، علمًا أنه في كل عام ترتفع الأصوات المطالبة بإلغائه أو على الأقل تغيير موعده الذي يصادف امتحانات البكالوريا، أو دفع المشاركين فيه إلى احترام أخلاقيات أهل هذا البلد، لكن كل هذه الدعوات لا تصادف إلا آذانًا صماء، فالمهرجان باقٍ ويتمدد، ويزداد فحشًا عامًا بعد عام، وتزداد فاتورته عامًا بعد عام، ويتم نقل قاذوراته على الهواء مباشرة في القنوات العمومية التي تُموَّل من الضرائب التي تُجبى من جيوب الشعب.
والأمر نفسه يقال عن الفيلم الساقط، فقد عرض الفيلم على لجنة دعم الأعمال السينمائية في الدورة الأولى والثانية خلال عام 2014. في المرة الأولى، لم يتم قبول المشروع، وطلبت لجنة الدعم من المخرج أن يعيد كتابة سيناريو فيلمه، لتجدد اللجنة قرارها بعدم اختيار الفيلم في الدورة الموالية، بعدما تبيّن لها أن المخرج لم يجرِ تعديلات كبيرة على السيناريو، وإنما أضاف أحداثًا جديدة فقط. أي أن اللجنة، والوزارة من ورائها كانتا على علم بما في الفيلم، وإنها وإن لم تقدم له الدعم المالي إلا أنها منحته رخصة التصوير، لكنها حين رأت الضجة التي أثارها الفيلم، ركبت الموجة، وقامت بمنع عرض الفيلم حفظًا لماء الوجه، وليس غيرةً على شرع الله. وللتدليل على تواطؤ أجهزة الدولة مع هذا السافل، نكتفي بالإشارة أن المخرج سيئ الذكر هو عضو معين في المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي الذي يناط به "الإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة وفي جميع القضايا الأخرى ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بالجهوية المتقدمة؛ وتحليل الظرفية وتتبع السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والجهوية والدولية وانعكاساتها... أي أن الشخص يعتبر من علية القوم، أما عن فتوحاته السينمائية، فقد تلقى منحة الدعم السينمائي ثماني مرات بما يقارب العشرين مليون درهم لإنتاج أفلام كان معظمها مثيراً للجدل لتضمنها مشاهد إباحية، ولا يزال عيوش، عن طريق شركته "عليان للإنتاج" أحد المخرجين ذوي الحظوة في التلفزيون المغربي حيث يفوز سنويًا بحصة الأسد من صفقات برامجها التافهة خصوصًا الرمضانية، والتي تقدر بعشرات الملايين من الدراهم، وعليه يكون قرار منعه في السينما، حيث لا يتعدى عدد صالات العرض على كل التراب المغربي أربعين قاعة، وفتح الأبواب أمامه في التلفزيون الذي يدخل كل البيوت دون استثناء، ضحكًا سافرًا على الذقون.
يا أهل المغرب،
لقد قلنا ولا نزال نقول ولن نمل من التكرار، لن يستقيم الظل والعود أعوج، إن همَّ حكامكم لم يكن يومًا خدمتكم ولا رعاية مصالحكم، وإنما كان على الدوام خدمة أسيادهم وتسهيل مهمتهم في نهب خيراتكم وسرقة ثرواتكم، وها هم حكامكم يقومون بالأدوار المنوطة بهم على أكمل وجه، فهم يفتحون الأبواب للشركات الأجنبية ويسلمونهم مقاليد الأمور، ويشغلونكم عن المطالبة بحقوقكم بإشاعة الفاحشة بينكم وإلهائكم بالغناء والرقص وكرة القدم وباقي الأعمال التافهة، ويمعنون في إهمال شؤونكم والتضييق عليكم حتى لا يبقوا لأحدكم برهة من زمن يتفكر فيها فيما آلت إليه الأمور فينهض للتغيير، وها هي نتيجة سياستهم ظاهرة للعيان، الموت يحصد أبناءكم في الطرقات وعلى شواطئ البحار، يحصدهم فقرًا وجوعًا ومرضًا وإهمالًا وجريمةً، وهم عنكم لاهون، وفي جمع الأموال منشغلون.
أيها المسلمون، يا أهل المغرب،
إن حالنا لن ينصلح إلا بما ارتضاه لنا ربنا، وإن موازينهم حين تنصب الموازين ستكون وبالاً على من أقامها أو أيدها أو سكت عنها وهو قادر على إزالتها، ولن يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس من شرع ربهم وسنة نبيهم، فهلموا معنا نُقِمْ شرع ربنا، وضعوا أيديكم في أيدينا نُعِدْ خلافة الله في أرضه بلسمًا لأمراضنا وعلاجًا ناجعًا لكل ما نعانيه من فقر وضيق وظلم وفساد في الأرض. فوحدها الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي التي ستنجيكم في الدنيا وتحفظكم وتحفظ أبناءكم وبناتكم من شر يكاد لكم ولهم، وهي وحدها التي ستعيد عزكم وتجعلكم تمشون في الأرض رافعي رءوسكم مهابي الجانب لا يتجرأ على محارمكم سفلة الأرض وشذاذها.
فهل من مجيب؟
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير محمد عبد الله
|